ولما كنا قد روينا فسخ الحج عن من أحاديث عائشة ، الأسود بن يزيد والقاسم ، كان أولى عندنا مما رواه وعمرة ، وحده عن عروة ، وذلك لأن ثلاثة أولى بالحفظ من واحد ، ولأن هؤلاء الثلاثة قد تابعهم على ما رووا من ذلك عن عائشة ، من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج ، عائشة ، ابن عباس ، وابن عمر وأنس ، وأسماء ابنة أبي بكر ، ومعقل بن يسار ، مما قد ذكرناه فيما تقدم منا في هذا الباب ، ومما لم نذكره فيه مما سنذكره فيما بعد منه إن شاء الله ، وجابر بن عبد الله أبو ذر الغفاري ، مع دلالة فيه عن وأبو موسى الأشعري ، عمر وعثمان رضي الله عنهما ، أن الأمر كان عندهما في ذلك كذلك أيضا ، فكانوا هؤلاء بالحفظ أولى مما رواه عروة عن ، وخالفه فيه عنها عائشة ، الأسود والقاسم ، وعمرة .
ومما يدل على صحة قول ، أنهم كانوا لا يعرفون ابن عباس [ ص: 84 ] قبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بفسخ الحج ، ما : العمرة في أشهر الحج
1283 - قد حدثنا ، قال حدثنا الربيع بن سليمان المرادي أسد ، قال حدثنا ، قال حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد جابر في خبر حجة النبي صلى الله عليه وسلم ،
قال جابر : ولسنا ننوي إلا الحج ، لسنا نعرف العمرة ، حتى إذا كنا آخر طواف على المروة ، قال : إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ، وجعلتها عمرة ، فمن كان ليس معه هدي فليحلل ، وليجعلها عمرة فحل الناس ، وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه الهدي ، فقام سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال : يا رسول الله ، عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد ؟ قال : فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى ، فقال : دخلت العمرة هكذا في الحج مرتين ، فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان معه الهدي . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بالتوحيد ، وأهل الناس بهذا الذي يهلون به ، ولم يزد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن شيئا ، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته .
ففي هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يحلوا ، وأن يقصروا إلا من كان معه الهدي ، وقال لهم مع ذلك : " إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما سقت الهدي ، وجعلتها عمرة " ، أي لأني في حرمة حجة ، وأنه قال مع ذلك : " فمن كان ليس معه هدي فليحلل ، وليجعلها عمرة " أي لأنه في غير عمرة فهذه ألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بينت لنا في هذا الحديث ما كان دخل فيه من الإحرام ، وما كان أصحابه دخلوا فيه منه ، وإنه كان في حج ، لا في عمرة ، وإنهم فسخوا ذلك الحج بأمره إياهم بذلك حتى صيروه عمرة ، فصاروا في حرمة عمرة ، لا في حرمة حجة ، وصار من ساق منهم الهدي لإحرامه في حكم من أراد التمتع ، وساق الهدي له ، فلا يحل من عمرته إلا مع إحلاله من حجته .
[ ص: 85 ] وفيه أيضا سؤال سراقة النبي صلى الله عليه وسلم : وجواب النبي صلى الله عليه وسلم إياه عن ذلك بما أجابه به عنه ، فدل ذلك أن تلك العمرة لم يكونوا يعرفونها قبل ذلك كما قال أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ ، ولو كانوا يعرفونها إذا لقال صلى الله عليه وسلم لسراقة العمرة الآن على ما كانت عليه من قبل ففي تركه ذلك ، وإجابته إياه بالجواب الذي ذكرنا دليل على أنه قد كان حدث منه في العمرة حينئذ حكم لم يكونوا يعرفونه منه فيها قبل ذلك . ابن عباس