ولا جنبا إلا عابري سبيل ) تأويل قول الله تعالى : (
قال الله - عز وجل - : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ، فأحطنا علما أنه لم يرد به الصلاة ، وإنما أراد به موضع الصلاة ، فقوله : ( إلا عابري سبيل ) ولا يكون في [ ص: 114 ] الصلاة بعينها عبور سبيل . وقد روي عن غير واحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قد دل على هذا المعنى ، فمما روي عنهم في ذلك ما :
131 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، عن أبو جعفر الرازي ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، ( ابن عباس : ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ، قال : " . لا تدخل المسجد وأنت جنب ، إلا وأنت عابر سبيل "
فلم يذكر في هذا التأويل أنه أريد به مسافر دون مقيم ، ولا مقيم دون مسافر فنظرنا في ذلك فوجدناه قد روي عنه في غير هذا الحديث أنه عنى به المسافر . ابن عباس
132 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، عن هشام ، عن قتادة ، أبي محلز ، عن ابن عباس ، ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ، قال : " هو المسافر . في قوله - عز وجل - : (
133 - حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن مسلم بن إبراهيم الأزدي ، الحسن بن أبي جعفر الأزدي ، عن سلم العلوي ، عن أنس بن مالك ، ولا جنبا إلا عابري ) ، قال : " يجتاز ولا يجلس " . في قوله : (
وهذا عندنا على الضرورة منه إلى ذلك وعلى ألا طريق له إلى ما يريد إلا فيه كما قد روي في ذلك عن إبراهيم .
134 - حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو داود ، عن شعبة ، عن منصور ، إبراهيم ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ، قال : إذا لم يجد طريقا غيره . (
وقد يكون ذلك أيضا على الطريق إلى موضع الماء الذي يغتسل به حتى يصلي كما قد روي فيه عن فإنه . مجاهد ،
135 - حدثنا قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، ورقاء ، عن عن ابن أبي نجيح ، " ( مجاهد ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ، قال : مسافرين لا يجدون ماء [ ص: 115 ] .
ولما كانت المساجد إنما بنيت للصلاة ، ولقراءة القرآن ، ولذكر الله - عز وجل - فيها ، لا لما سوى ذلك من أفعال الناس ، إذ لا تستطيع أن تفعل فيه ما بنيت المساجد من أجله ، حتى قيل لها إذا كانت حاجة فحاضت : افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت . ونهيت الحائض عن دخول المسجد ،
وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
136 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عبد الرحمن بن القاسم ، رضي الله عنها ، قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا نذكر إلا الحج ، فلما جئنا عائشة سرف طمثت ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ، فقال : " ما يبكيك ، لعلك نفست " فقلت : نعم قال : " فإن هذا أمر كتبه الله - عز وجل - على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " . عن
137 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا قال : حدثني ابن وهب ، عن الليث ، أبي الزبير ، جابر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على وهي تبكي ، فقال : " ما لك تبكين ؟ " قالت : أبكي لأن الناس حلوا ولم أحلل ، وطافوا بالبيت ولم أطف ، وهذا الحج قد حضر كما ترى ، فقال : " هذا أمر كتبه الله - عز وجل - على بنات آدم ، فاغتسلي وأهلي بالحج ، ثم حجي واقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تصلي " . عائشة عن
قال فمنعت من الطواف بالبيت لأنها ليست ممن يدخل المسجد ، وخولف بين ذلك وبين سائر أفعال الحج التي تفعل في غير المسجد ، فلما كانت الحائض كما ذكرنا في المنع من دخول المسجد كان الجنب في ذلك مثلها ، وكان الذي أبيح له من عبور السبيل في الآية التي تلونا عند الضرورة إلى دخول المسجد والحاجة منه إلى ذلك ، كهو إذا أجنب خارج المسجد ، ولا يجد ماء إلا من بئر في المسجد ، فيتيمم ليدخل المسجد طاهرا بذلك التيمم طهارة ضرورة حتى يصل إلى الماء ، فيغتسل به الغسل الذي يطهره من جنابته وكذلك لو كان الماء في غير المسجد ، ولا طريق له إليه إلا من المسجد لم يبح له أن يجتاز في المسجد إلا على طهارة بالتيمم الذي ذكرنا ليكون مجتازا في المسجد على طهارة تيمم ، لا على جنابة لم يتطهر منها ، وهذا عندنا معنى حديث روي عن أبو جعفر : رضي الله عنه - في هذا المعنى [ ص: 116 ] . علي بن أبي طالب -
138 - حدثنا قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا الفريابي ، عن قيس بن الربيع ، عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عباد بن عبد الله ، عن علي ، ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ، " قال : نزلت في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي " .
هكذا وجدنا هذا الحديث في كتابنا ، وإنما هو عندنا فيتيمم ، ثم يدخل المسجد فيصلي ، ولولا أن الآثار التي ذكرناها في الباب الذي ذكرناه قبل هذا الباب في قول الله - عز وجل - ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) بينت أن المراد به الصلاة في عينها لكان ظاهر الآية يدل على أن المراد بالصلاة المذكورة فيها هو موطنها الذي يصلى فيه ، وهو المساجد ، لأنه قال - عز وجل - : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) ، ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) ، ( حتى تعلموا ما تقولون ) إذا كنتم سكارى و ( حتى تغتسلوا ) إذا كنتم جنبا إلا عابري سبيل في الجنابة .
وهذا الذي ذكرنا في قول تيمم الجنب عند إرادته دخول المسجد للضرورة ، أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وأكثر أهل العلم سواهم .
وقد قال بعضهم ممن لم نجد عن المتقدمين ما يوافق ما قال من ذلك أن ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) أن معنى ذلك على التقديم والتأخير ، كأنه قال - عز وجل - : ولا جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل يعني : إذا كانوا أبناء سبيل مسافرين ، ثم بين ما عليهم إذا كانوا كذلك بقوله - عز وجل - : ( معنى قوله - عز وجل - : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) الآية وهذا التأويل بعيد في المعنى ، والمتقدمون كلهم ، علي بن أبي طالب وابن عباس ، وأنس ، ومن تبعهم ممن ذكرنا في هذا الكتاب على خلاف هذا التأويل .