64 - حدثنا أبو يوسف يعقوب بن يوسف قال : ثنا أبو عيسى هارون بن محمد الحارثي بعبادان قال : ثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم بن كثير الدروقي ، [ ص: 82 ] ومحمد بن عبد الله بن مهران الدينوري قالا : ثنا قال : ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، المعافى بن عمران أبو مسعود الموصلي ، قال : ثنا إدريس بن سنان ، عن عن وهب بن منبه ، قال محمد بن علي ، إدريس : ثم لقيت محمد بن علي بن حسين ابن فاطمة عليهم السلام فحدثني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ورقها وبسرها برود خضر ، وزهرها رياط صفر ، وأفناؤها سندس وإستبرق ، وثمرها حلل حمر ، وصمغها زنجبيل وعسل وبطحاؤها ياقوت أحمر ، وزمرد أخضر ، وترابها مسك وعنبر وكافور أصفر ، وحشيشها زعفران منيع ، وأجوج يتأججان من غير وقود ، يتفجر من أصلها أنهار السلسبيل والمعين والرحيق ، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه ومتحدث يجمعهم [ ص: 83 ] . " إن في الجنة لشجرة يقال لها طوبى ، لو يسخر للراكب الجواد أن يسير في ظلها لسار فيه مائة عام من قبل أن يقطعها ،
فبينا هم في ظلها يوما يتحدثون إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجبا جبلت من الياقوت ، ثم نفخ فيها الروح ، مزمومة بسلاسل من ذهب كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا ، نجبا من غير رياضة ، عليها رحال من الدر والياقوت مفضضة باللؤلؤ والمرجان ، صفاقها من الذهب الأحمر ملبسة بالعبقري والأرجوان ، فأناخوا إليهم تلك النجائب ، ثم قالوا لهم : وبركة وفضل عظيم ، فيتحول كل رجل منهم على راحلته ، ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوت منه شيء شيئا ، لا يمرون بشجرة إلا أتحفتهم بثمرها ، وزحلت لهم عن طريقهم كراهية أن ينثلم صفهم أو تفرق بين الرجل ورفيقه ، فلما دنوا إلى الجبار تعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم ، وتجلى لهم في عظمته العظيمة يحييهم بالسلام ، فقالوا : ربنا أنت السلام ومنك السلام ولك حق الجلال والإكرام [ ص: 84 ] . إن ربكم يقرئكم السلام ، ويستزيركم لتنظروا إليه وينظر إليكم ، وتحيونه ويحييكم ، ويكلمكم وتكلمونه ، ويزيدكم من فضله وسعته إنه ذو رحمة واسعة ،
فقال لهم ربهم تعالى : إني أنا السلام ، ومني السلام ، ولي حق الجلال والإكرام ، فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ، ورعوا عهدي ، وخافوني بالغيب ، وكانوا مني على كل حال مشفقين .
فقالوا : أما وعزتك وعظمتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ، وما أدينا إليك حقك ، فأذن لنا بالسجود لك .
قال لهم ربهم تعالى : إني وضعت عنكم مؤنة العبادة ، وأرحت لكم أبدانكم ، وطال ما نصبتم لي الأبدان ، وأعنتم لي الوجوه ، فالآن أفضيتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي ، فسلوني ما شئتم ، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم ، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ، ولكن بقدر رحمتي وطولي وجلالي وعلو مكاني ، وعظمة شأني ، فما يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى إن المقصر فيهم في أمنيته يتمنى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله إلى يوم أفناها .
فقال لهم ربهم تعالى : لقد قصرتم في أمانيكم ، فانظروا إلى مواهب ربكم الذي وهب لكم ، فإذا بقباب من الرفيق الأعلى ، وغرف مبنية من الدر والمرجان أبوابها من ذهب ، وسررها من ياقوت ، وفرشها من سندس وإستبرق ، ومنابرها من نور ، يفور من أبوابها نور ، شعاع الشمس عنده مثل الكوكب المضيء الدري في النهار ، وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من [ ص: 85 ] الياقوت يزهو نورها ، فلولا أنه مسخر إذا لالتمع الأبصار ، فما كان من القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض ، وما كان منها من الياقوت الأحمر ، فهو مفروش بالعبقري الأخضر ، وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالأرجوان الأصفر ، مبثوث بالزمرد الأخضر وبالذهب الأحمر ، وبالفضة البيضاء ، قواعدها وأركانها من الجوهر ، وشرفها قباب من اللؤلؤ ، وبروجها غرف من المرجان .
فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم تعالى قربت لهم براذين من الياقوت الأبيض ، منفوخ فيها الروح ، بجنبها الولدان المخلدون ، بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ، ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت ، سروجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والإستبرق ، فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم ، وتبطن بهم رياض الجنة ، فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعودا على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ، ويصافحوهم ، ويهنئوهم بكرامة ربهم ، فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطول عليهم ربهم مما سألوه وتمنوه ، وإذا على باب كل قصر من [ ص: 86 ] تلك القصور أربع جنات : جنتان ذواتا أفنان ، وجنتان مدهامتان ، فيهما عينان نضاختان ، وفيهما من كل فاكهة زوجان ، وحور مقصورات في الخيام ، فلما تبوؤوا منازلهم واستقروا قرارهم .
قال لهم ربهم تعالى : فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ، قالوا : نعم ربنا ، قال : رضيتم بثواب ربكم ؟ قالوا : رضينا ربنا رضينا فارض عنا . قال : برضاي عنكم حللتم داري ، ونظرتم إلى وجهي ، وصافحتكم ملائكتي ، هنيئا هنيئا لكم عطاء غير مجذوذ ، فليس فيه تنغيص ، ولا تصريد ، فعند ذلك قالوا : ( الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، وأحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ، ولا يمسنا فيها لغوب إن ربنا لغفور شكور ) .