وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال: حدثنا ، قال: أنبأنا محمد بن بكر ، قال: حدثنا أبو داود محمد بن عمرو المرادي، قال: أنبأنا قال: حدثني سلمة بن الفضل، ، عن محمد بن إسحاق محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري ، عن ، أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة
الحبشة جاورنا بها خير جار [ ] ، أمنا على ديننا، وعبدنا الله عز وجل لا نؤذى، ولا نسمع شيئا نكرهه. النجاشي فلما بلغ ذلك لما نزلنا أرض قريشا ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى فينا رجلين منهم جلدين وأن يهدوا إلى النجاشي ما يستطرف من متاع النجاشي مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم، فجمعوا له أدما كثيرا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا إليه هدية. ثم بعثوا [ بذلك ] عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص بن وائل ، وقالوا لهما: ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما فيهم، ثم قدما إلى النجاشي هداياه، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم. قالت: فخرجا حتى قدما على النجاشي ونحن عنده بخير دار، فلم يبق بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي ، وقالا لكل بطريق: إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء خالفوا [ ص: 135 ] دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك [ فيهم ] فأشيروا عليه أن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم فإن قومهم أعلى بهم عينا - يريد أقعد علما بهم، العين: العلم هاهنا، أي فوقهم في العلم بهم وأعلى من غيرهم - فقالوا لهما: نعم. ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما. ثم كلماه، فقالا: أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، جاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم لتردهم عليهم، وهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى النجاشي عبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم وعمرو بن العاص . فقالت بطارقته حوله: صدقا أيها الملك، قومهم أعلى بهم عينا وأعلم بما عابوا عليهم [ وعاتبوهم فيه ] . فأسلمهم إليهم ليرداهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي ، ثم قال: لا والله أبدا لا أسلمهم إليهما ولا يكاد قوم جاوروني ونزلوا بلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما، ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني. النجاشي
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاهم، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا وقال بعضهم لبعض: ما تقولون للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما [ ص: 136 ] علمنا الله وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه - وقد دعا أساقفته ونشروا مصاحفهم حوله - سألهم، فقال لهم: ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا في دين أحد من هذه الملل؟ قالت: فكان الذي كلمه النجاشي ، فقال: أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء إلى الجار ويأكل القوي منا الضعيف. كنا على ذلك حتى بعث الله عز وجل إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعا [ نا ] إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام. قالت: فعدد [ عليه ] أمور الإسلام. وقال: فصدقناه وآمنا به، واتبعناه على ما جاء له عن الله عز وجل، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما حلل لنا. فعدا علينا قومنا فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان [ من عبادة الله ] وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث. فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك وآثرناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت: فقال: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال جعفر: نعم، فقال له جعفر بن أبي طالب : فاقرأه علي. فقرأ عليه: ( النجاشي كهيعص ) . قالت: فبكى حتى والله اخضلت لحيته، وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم. فقال النجاشي : إن هذا والذي جاء به النجاشي موسى [ ص: 137 ] ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبدا.
قالت: فلما خرجا من عنده قال : والله لآتين غدا بما أستأصل به خضراءهم. قالت: فقال له عمرو بن العاص عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أبقى الرجلين فينا، لا تفعل، فإن لهم أرحاما وإن كانوا قد خالفونا، قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى عبد. قالت: ثم غدا عليه من الغد، فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم، فاسألهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم ليسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلها فاجتمع القوم، ثم قال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم [ عنه ] ؟ قالوا: نقول ما قال الله عز وجل وما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن.
قالت: فلما دخلوا عليه قال لهم ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال : نقول فيه الذي جاء [ نا ] به نبينا عليه السلام: عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى جعفر بن أبي طالب مريم العذراء البتول. قالت: فضرب بيده إلى الأرض وأخذ منها عودا، وقال: ما عدا النجاشي عيسى بن مريم مما قلت هذا المقدار. قال: فتناخرت بطارقته حين قال ما قال: فقال: وإن نخرتم. ثم قال لجعفر وأصحابه: اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي - والشيوم: الآمنون - من سبكم غرم، ثم قال: ما أحب أن لي دبر ذهب [ و ] أني آذيت واحدا منكم، والدبر بلسان الحبشة : الجبل. ردوا عليهما هديتهما فلا حاجة لنا فيها. فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد إلي ملكي فآخذ الرشوة [ فيه ] وما أطاع الناس في فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به. فأقمنا عنده بخير دار وخير جار قالت: فوالله إنا لعلى ذلك إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه. قالت: فوالله ما علمنا حزنا قط كان أشد من حزن [ ص: 138 ] حزناه عند ذلك خوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتينا رجل لا يعرف من حقنا ما كان يعرف منه. وسار إليه النجاشي وبينهما عرض النيل. قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ فقال النجاشي : أنا أخرج. قالت: وكان من أحدث القوم سنا. قالت: فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: فدعونا الله عز وجل للنجاشي بالظهور على عدوه والتمكين له في بلاده، فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير بن العوام الزبير يسعى ويلوح بثوبه ويقول: ألا أبشروا فقد ظهر وأهلك الله عدوه ومكن له في بلاده. قالت: فوالله ما علتنا فرحة قط مثلها. قالت: ورجع النجاشي سالما وأهلك الله عدوه، واستوسق له أمر النجاشي الحبشة ، فكنا عنده في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة .