[ ص: 475 ] باب في الأمور الكلية والقضايا التكليفية  
736 - فنقول : لا غناء عن الإحاطة بالمكاسب ، فإن فيها قوام الدين والدنيا . فنذكر فيها ما يليق بالأغراض الكلية ، ثم نذكر قواعد في المناكحات ، ثم نختم الكلام بذكر فصول في الزواجر ، والإيالات ، ونستفتح القول في المرتبة الرابعة - إن شاء الله عز وجل - .  
737 - فأما القول في المكاسب فنقدم على مقصودنا في خلو الزمان عن تفاصيل الشريعة فصلا نفيسا ، ونتخذه تأصيلا لغرضنا وتأسيسا ، وهذا الفصل لا يوازيه في أحكام المعاملات فصل ، ولا يضاهيه في الشرف أصل ، وقد حار في مضمونه عقول أرباب الألباب ، ولم يحم على المدرك السديد فيه أحد الأصحاب .  
ولست أنتقص أئمة الدين ، وعلماء المسلمين ، ولا أعزيهم إلى الفتور والقصور عن مسالك المتأخرين ، ولكن الأولين - رضي الله      [ ص: 476 ] عنهم - ما دفعوا مقصود هذا الفصل ، ولم تتغشهم ( 250 ) هواجم المحن والفتن ، وكانوا في الزمان الأول لا يضعون المسائل قبل وقوعها ، فلم يتعرضوا للمباحث التي سأخوض فيها ، ولم يعتنوا بمعانيها ، وها أنا أذكر نتفا ، أعتدها تحفا عند المدرعين مدارع الورع ، وأتخذها يدا عند طبقات الخلق جمع .  
738 - فأفرض أولا حالة وأجري فيها مقاصد ، ثم أبتني عليها قواعد ، وأضبطها بروابط ومعاقد ، وأمهدها أصولا تهدي إلى مراشد . فأقول :  
لو فسدت المكاسب كلها ، وطبق طبق الأرض الحرام في المطاعم والملابس وما تحويه الأيدي - وليس حكم زماننا ببعيد من هذا - فلو اتفق ما وصفناه ، فلا سبيل إلى حمل الخلق - والحالة هذه على الانكفاف عن الأقوات ، والتعري عن البزة .  
739 - وأقرب مسالك تمتد إليها بصيرة الفطن في ذلك تلقي الأمر من إباحة الميتات عند المخمصة والضرورات ، وقد قال الفقهاء :  لا تحل الميتة إلا لمضطر ،   يخاف على مهجته وحشاشته ، لو لم يسد جوعته . .  
ثم اضطربت مذاهبهم في أنه إذا  اضطر المرء ، فإلى أي حد      [ ص: 477 ] يستبيح من الميتة      : فذهب ذاهبون إلى أنه يقتصر على سد رمقه ، ولا يتعداه ، وصار آخرون إلى أنه يسد جوعته من الميتة .  
ولو خضت في تحقيق ذلك ، لطال الباب بما لا يتعلق بمقصود الكتاب .  
وإن هذا فصل يقل في الزمان من يحيط بحقيقته ، فمن أراده ، فليطلبه من تعليقات المعتمدين عنا ، إلى أن يتيح الله لنا مجموعا في مذهب الإمام   الشافعي     - رحمه الله - .  
				
						
						
