قال المصنف رحمه الله قلت: فهذا الرجل قد خالف الشرع في تعرضه للسباع وفي الصحيحين ولا يحل لأحد أن يتعرض لسبع أو لحية بل يجب عليه أن يفر مما يؤذيه أو يهلكه. "إذا وقع الطاعون وأنتم بأرض فلا تقدموا عليه" وقال صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فر من المجذوم فرارك من الأسد" ومر عليه الصلاة والسلام بحائط مائل فأسرع. وهذا الرجل قد أراد من طبعه أن لا ينزعج وهذا شيء ما سلم منه موسى عليه السلام فإنه لما رأى الحية خاف وولى مدبرا. فإن صح ما ذكره وهو بعيد الصحة لأن طباع الآدميين تتساوى فمن قال لا أخاف السبع بطبعي كذبناه كما لو قال أنا لا أشتهي النظر إلى المستحسن وكأنه قهر نفسه حتى نام بينهم استسلاما للهلاك لظنه أن هذا هو التوكل. وهذا خطأ لأنه لو كان هذا هو التوكل ما نهى عن مقاربة ما يخاف شره. ولعل السباع اشتغلت عنه وشبعت من الجمل والسبع إذا شبع لا يفترس. ولقد كان أبو تراب النخشبي من كبار القوم فلقيته السباع البرية فنهشته فمات. ثم لا ينكر أن يكون الله تعالى لطف به ونجاه بحسن ظنه فيه غير أنا نبين خطأ فعله للعامي الذي إذا سمع هذه الحكاية ظن أنها عزيمة عظيمة ويقين قوي وربما فضل حالته على حالة موسى عليه السلام إذ هرب من الحية. وعلى حالة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ مر بجدار مائل فهرول. وعلى لبسه صلى الله عليه وسلم الدرع في غزواته كلها وقت الحرب حتى قال عليه الصلاة والسلام في غزوة الخندق: "ليس لنبي أن يلبس لأمة حرب ثم ينزعها من غير قتال" وعلى حالة رضي الله عنه إذ سد خروق الغار اتقاء ذي الحيات: وهيهات أن تعلو مرتبة هذا المخالف للشرع على مرتبة النبيين [ ص: 297 ] والصديقين بما يخايل له ظنه الفاسد من أن هذا الفعل هو التوكل. أبي بكر
وقد أخبرنا عنه ، نا أبو منصور القزاز ، نا أبو بكر الخطيب إسماعيل بن أحمد الجبري ، ثنا محمد بن الحسين السلمي قال سمعت محمد بن الحسين البغدادي يقول سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني قال سمعت مؤملا المغابي يقول: كنت أصحب محمد بن السمين فسافرت معه ما بين تكريت والموصل فبينا نحن في برية نسير إذ زأر السبع من قريب منا فجزعت وتغيرت وظهر ذلك على وجهي وهممت أن أبادر فأفر فضبطني وقال يا مؤمل التوكل ههنا ليس في المسجد الجامع.