قال المصنف رحمه الله فانظر إلى كلام الفقهاء ما أحسنه. ووجهه أن الله تعالى قد جعل للجائع مكنة التسبب فإذا عدم الأسباب الظاهرة فله قدرة السؤال التي هي كسب مثله في تلك الحال فإذا تركه فقد فرط في حق نفسه التي هي وديعة عنده فاستحق العقاب. وقد روي لنا في ذهاب عين هذا الرجل ما هو أظرف مما ذكرنا فأخبرنا محمد بن عبد الباقي بن أحمد ، ثنا حمد بن أحمد الحداد ، ثنا قال سمعت أبو نعيم أبا أحمد القلانسي يقول قال أبو علي الروذباري يحكي عن أبي بكر الدقاق قال: استضفت حيا من العرب فرأيت جارية حسناء فنظرت إليها فقلعت عيني التي نظرت بها إليها. وقلت مثلك من نظر لله.
قال المصنف رحمه الله: قلت فانظروا إلى جهل هذا المسكين بالشريعة والبعد عنها لأنه إن كان نظر إليها عن غير تعمد فلا إثم عليه وإن تعمد فقد أتى صغيرة قد كان يكفيه منها الندم. فضم إليها كبيرة وهي قلع عينه ولم يتب [ ص: 300 ] عنها لأنه اعتقد قلعها قربة إلى الله سبحانه ومن اعتقد المحظور قربة فقد انتهى خطؤه إلى الغاية ولعله سمع تلك الحكاية وتلك مع بعد صحتها ربما جازت في شريعتهم. فأما شريعتنا فقد حرمت هذا، وكأن هؤلاء عن بعض بني إسرائيل أنه نظر إلى امرأة فقلع عينه محمد صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من تلبيس إبليس. وقد روي عن بعض عابدات القوم ابتكروا شريعة سموها بالتصوف وتركوا شريعة نبيهم الصوفية مثل هذا. أخبرنا أبو بكر بن حبيب العامري ، نا أبو سعد بن أبي صادق ، نا قال أخبرني ابن باكويه أبو الحسن علي بن أحمد البصري غلام شعوانة قال أخبرتني شعوانة أنه كان في جيرانها امرأة صالحة فخرجت ذات يوم إلى السوق فرآها بعض الناس فافتتن بها وتبعها إلى باب دارها. فقالت له المرأة أي شيء تريد مني قال فتنت بك فقالت: ما الذي استحسنت مني قال عيناك. فدخلت إلى دارها فقلعت عينها وخرجت إلى خلف الباب ورمت بها إليه وقالت له خذهما فلا بارك الله فيك.