قال المصنف رحمه الله لا تختلف الفقهاء أن رميه إياها لا يجوز، والعجب أنه رماها بقول صبي لا يدري ما قال، وقد حكى أبو حامد الغزالي أن شقيقا البلخي جاء إلى أبي القاسم الزاهد وفي طرف كسائه شيء مصرور فقال له أي شيء معك قال لوزات دفعها إلي أخ لي وقال أحب أن تفطر عليها فقال يا شقيق وأنت تحدث نفسك أن تبقى إلى الليل لا كلمتك أبدا فأغلق الباب في وجهي ودخل.
قال المصنف رحمه الله: انظروا إلى هذا الفقه الدقيق كيف هجر مسلما على فعل جائز بل مندوب لأن الإنسان مأمور أن يستعد لنفسه بما يفطر عليه واستعداد الشيء قبل مجيء وقته حزم ولذلك قال الله عز وجل: ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) وقد وجاء ادخر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه قوت سنة عمر رضي الله عنه بنصف ماله وادخر الباقي ولم ينكر عليه فالجهل بالعلم أفسد هؤلاء الزهاد. وبإسناد أحمد بن إسحاق العماني قال رأيت بالهند شيخا وكان يعرف بالصابر قد أتى عليه مائة سنة قد غمض إحدى عينيه فقلت له يا صابر ما بلغ من صبرك قال إني هويت النظر إلى زينة الدنيا فلم أحب أن أشتقي منها فغمضت عيني منذ ثمانين سنة فلم أفتحها، وقد حكي لنا عن آخر أنه قير أحد عينيه وقال النظر إلى الدنيا بعينين إسراف قلت: كان قصده أن ينظر إلى الدنيا بفرد عين ونحن نسأل الله سلامة العقول. وقد حكى يوسف بن أيوب [ ص: 351 ] الهمداني عن شيخه عبد الله الجوني أنه كان يقول هذه الدولة ما أخرجتها من المحراب بل من موضع الخلاء وقال كنت أخدم في الخلاء فبينما أنا يوما أكنسه وأنظفه قالت لي نفسي أذهبت عمرك في هذا فقلت: أنت تأنفين من خدمة عباد الله فوسعت رأس البئر ورميت نفسي فيها وجعلت أدخل النجاسة في فمي، فجاؤوا وأخرجوني وغسلوني قلت: انظروا إلى هذا المسكين كيف اعتقد جمع الأصحاب خلفه دولة واعتقد أن تلك الدولة إنما حصلت بإلقاء نفسه في النجاسة وإدخالها في فيه وقد نال بذلك فضيلة أثيب عليها بكثرة الأصحاب وهذا الذي فعله معصية توجب العقوبة، وفي الجملة لما فقد هؤلاء العلم كثر تخبيطهم وبإسناد عن محمد بن علي الكتاني يقول دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء أمره فجهدنا حتى أخذنا مرقعته قال السوسي أخذنا منها قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته قلت: انظروا إلى هذا الجاهل بالنظافة التي حث عليها الشرع وأباح حلق الشعر المحظور على المحرم لأجل تأذيه من القمل وجبر الحظر بالفدية وأجهل من هذا من اعتقد هذا رياضته.
وبإسناد عن أبي عبد الله بن ملقح يقول: كان عندنا فقير صوفي في الجامع فجاع مرة جوعا شديدا فقال يا رب إما أن تطعمني وإما أن ترميني بشرف المسجد فجاء غراب فجلس على الشرف فوقعت عليه من تحت رجله آجرة فجرى دمه وكان يمسح الدم، ويقول أيش تبالي بقتل العالم، قلت: قتل الله هذا ولا أحياه في مقابلته هذا الاستنباط، هلا قام إلى الكسب أو إلى الكدية. وبإسناد عن غلام خليل قال: رأيت فقيرا يعدو ويلتفت ويقول: أشهدكم على الله هو ذا يقتلني، وسقط ميتا.