[  ممن تؤخذ الجزية   ؟ ]  
فأجمع الفقهاء على أن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب ومن      [ ص: 80 ] المجوس      .  
 [ ص: 81 ] وكان   عمر بن الخطاب  رضي الله عنه قد توقف في أخذ الجزية من  المجوس   حتى شهد   عبد الرحمن بن عوف  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس  هجر   ذكره   البخاري     .  
وذكر   الشافعي  أن   عمر بن الخطاب  ذكر  المجوس   فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ، فقال له   عبد الرحمن بن عوف     : أشهد لسمعت      [ ص: 82 ]  [ ص: 83 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "  سنوا بهم سنة أهل الكتاب     " وهذا صريح في أنهم ليسوا من أهل الكتاب ، ويدل عليه قوله تعالى :  أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين   ، فالله سبحانه حكى هذا عنهم ، ولم ينكره عليهم ولم يكذبهم فيه .  
وأما  حديث  علي  أنه قال : " أنا أعلم الناس  بالمجوس   كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه ، وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته ، فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم ودعا أهل مملكته وقال : تعلمون دينا خيرا من دين آدم وقد أنكح بنيه بناته ، فأنا على دين آدم ، قال : فتابعه قوم وقاتلوا الذين يخالفونه حتى قتلهم ، فأصبحوا وقد أسري بكتابهم ورفع العلم الذي في صدورهم فهم أهل كتاب ، وقد أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وأبو بكر     - وأراه قال :  وعمر     - منهم الجزية     " .  
فهذا حديث رواه   الشافعي  في " مسنده "   وسعيد بن منصور   [ ص: 84 ] وغيرهما ولكن جماعة من الحفاظ ضعفوا الحديث .  
قال  أبو عبيد     : لا أحسب ما رووه عن  علي  في هذا محفوظا .  
وقد روى   البخاري  في " صحيحه "  عن   المغيرة بن شعبة  أنه قال لعامل كسرى : " أمرنا نبينا أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية     " .  
وفي " مسند الإمام  أحمد     "   والترمذي  عن   ابن عباس  قال :  مرض  أبو طالب  فجاءته  قريش   وجاءه النبي - صلى الله عليه وسلم - وشكوه إلى  أبي طالب  فقال : يابن أخي ما تريد من قومك ؟ قال : " أريد منهم كلمة تدين      [ ص: 85 ] لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية     " .  
قال كلمة واحدة ؟ قال : " كلمة واحدة لا إله إلا الله " .  
قالوا :  أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب      )  ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق   ، قال : فنزل فيهم :  ص والقرآن ذي الذكر   ، إلى قوله :  اختلاق      .  
وفي " الصحيحين " من حديث  عمرو بن عوف الأنصاري     : "  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث   أبا عبيدة بن الجراح  إلى  البحرين   ، وأمر عليهم   العلاء بن الحضرمي     " .  
 [ ص: 86 ] وذكر  أبو عبيد  في كتاب " الأموال " عن   الزهري  قال :  قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجزية من أهل  البحرين   وكانوا مجوسا     .  
وفي " سنن  أبي داود     " من حديث   أنس بن مالك  رضي الله عنه :  أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث   خالد بن الوليد  إلى  أكيدر دومة  فأخذوه فأتوا به فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية     .  
وقال   الزهري     : أول ما أخذت الجزية من أهل  نجران   وكانوا نصارى .  
وفي " صحيح   البخاري     " عن [  ابن ] أبي نجيح  قال : قلت  لمجاهد     : ما شأن أهل  الشام   عليهم أربعة دنانير وأهل  اليمن   عليهم دينار ؟ قال : جعل ذلك من قبل اليسار .  
 [ ص: 87 ] فاختلف الفقهاء فيمن تؤخذ منهم الجزية ، بعد اتفاقهم على أخذها من أهل الكتاب ومن  المجوس      .  
فقال  أبو حنيفة     : تؤخذ من أهل الكتاب  والمجوس   وعبدة الأوثان من العجم ، ولا تؤخذ من عبدة الأوثان من العرب ونص على ذلك  أحمد  في رواية عنه .  
واحتج أرباب هذا القول على ذلك بحجج منها قوله في الحديث المتقدم : "  وتؤدي إليكم بها العجم الجزية     " ، واحتجوا بحديث  بريدة  الذي رواه  مسلم  في " صحيحه " قال :  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ، ثم قال : " اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال أو خلال ، فأيتهن ما أجابوك إليها فاقبل منهم ، وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين ، فإن أبوا أن يتحولوا منها ، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فسلهم      [ ص: 88 ] الجزية فإن هم أجابوك فاقبل منهم ، وكف عنهم ، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك ، وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله ، وذمة رسوله ، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ؟     " .  
وفي هذا الحديث أنواع من الفقه .  
منها :  وصية الإمام لنوابه ، وأمرائه ، وولاته بتقوى الله   ، والإحسان إلى الرعية فبهذين الأصلين يحفظ على الأمير منصبه ، وتقر عينه به ويأمن فيه من النكبات والغير ، ومتى ترك هذين الأمرين أو أحدهما فلا بد أن يسلبه الله عزه ، ويجعله عبرة للناس فما إن سلبت النعم إلا بترك تقوى الله والإساءة إلى الناس .  
ومنها : أن  الجيش ليس لهم أن يغلوا من الغنيمة   ، ولا يغدروا بالعهد ، ولا يمثلوا بالكفار ، ولا يقتلوا من لم يبلغ الحلم .  
ومنها : أن  المسلمين يدعون الكفار - قبل قتالهم - إلى الإسلام   ، وهذا واجب إن كانت الدعوة لم تبلغهم ، ومستحب إن بلغتهم الدعوة ، هذا إذا كان المسلمون هم القاصدين للكفار ، فأما إذا قصدهم الكفار في ديارهم فلهم أن يقاتلوهم من غير دعوة لأنهم يدفعونهم عن أنفسهم وحريمهم .  
ومنها :  إلزامهم بالتحول إلى دار الإسلام إذا كانوا مقيمين بين الكفار   ، فإن أسلموا كلهم وصارت الدار دار الإسلام لم يلزموا بالتحول منها بل      [ ص: 89 ] يقيمون في ديارهم ، وكانت دار الهجرة في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي دار الإسلام ، فلما أسلم أهل الأمصار صارت البلاد التي أسلم أهلها بلاد الإسلام فلا يلزمهم الانتقال منها .  
ومنها : أن  الأعراب ليس لهم شيء في الفيء ولا في الغنائم ما لم يقاتلوا   ، فإذا قاتلوا استحقوا من الغنيمة ما يستحقه من شهد الوقعة وأما الأعراب الذين لا يقاتلون الكفار مع المسلمين فليس لهم شيء في الفيء ولا في الغنيمة .  
ومنها : أن  الجزية تؤخذ من كل كافر   هذا ظاهر هذا الحديث ولم يستثن منه كافرا من كافر .  
ولا يقال : هذا مخصوص بأهل الكتاب خاصة ، فإن اللفظ يأبى اختصاصهم بأهل الكتاب ، وأيضا فسرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجيوشه أكثر ما كانت تقاتل عبدة الأوثان من العرب .  
ولا يقال : إن القرآن يدل على اختصاصها بأهل الكتاب ، فإن الله سبحانه أمر بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتال المشركين حتى يعطوا الجزية ، فيؤخذ من أهل الكتاب بالقرآن ومن عموم الكفار بالسنة ، وقد أخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من  المجوس   وهم عباد النار لا فرق بينهم وبين عبدة الأوثان ، ولا يصح أنهم من أهل الكتاب ولا كان لهم كتاب ، ولو كانوا أهل كتاب عند الصحابة رضي الله عنهم لم يتوقف  عمر  رضي الله عنه في أمرهم ولم      [ ص: 90 ] يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : "  سنوا بهم سنة أهل الكتاب     " بل هذا يدل على أنهم ليسوا أهل كتاب ، وقد ذكر الله سبحانه أهل الكتاب في القرآن في غير موضع ، وذكر الأنبياء الذين أنزل عليهم الكتب والشرائع العظام ولم يذكر للمجوس - مع أنها أمة عظيمة من أعظم الأمم شوكة وعددا وبأسا - كتابا ولا نبيا ، ولا أشار إلى ذلك بل القرآن يدل على خلافه كما تقدم ، فإذا أخذت من عباد النيران فأي فرق بينهم وبين عباد الأوثان ؟  
فإن قيل : فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذها من أحد من عباد الأوثان مع كثرة قتاله لهم .  
قيل : أجل وذلك لأن آية الجزية إنما نزلت عام "  تبوك      " في السنة التاسعة من الهجرة بعد أن أسلمت جزيرة العرب ولم يبق بها أحد من عباد الأوثان ، فلما نزلت آية الجزية أخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن بقي على كفره من النصارى  والمجوس   ولهذا لم يأخذها من يهود المدينة حين قدم المدينة ولا من يهود خيبر لأنه صالحهم قبل نزول آية الجزية .  
				
						
						
