184 - فصل
[ ذكر قول من ] . قال : أن الفطرة هي البداءة
قال أبو عمر : وقال آخرون معنى قوله : " " يعني البداءة التي ابتدأهم عليها ، يريد أنه مولود على ما فطر الله عليه خلقه من أنه ابتدأهم للحياة والموت ، والسعادة ، والشقاوة ، إلى ما يصيرون إليه عند البلوغ من قبولهم دين آبائهم ، واعتقادهم . كل مولود يولد على الفطرة
قالوا : والفطرة في كلام العرب البداءة ، والفاطر المبتدئ ، فكأنه قال : يولد على ما ابتدأه عليه من الشقاء والسعادة ، وغير ذلك مما يصير إليه ، واحتجوا بقوله : ( كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) .
[ ص: 1023 ] وروى بإسناده إلى - رضي الله عنهما - قال : لم أدر ما فاطر السماوات والأرض حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأتها . ابن عباس
وذكروا ما روي عن - رضي الله عنه - في دعائه : " اللهم جبار القلوب على فطراتها : شقيها وسعيدها " . علي بن أبي طالب
قال شيخنا : حقيقة هذا القول أن كل مولود يولد على ما سبق في علم الله أنه صائر إليه ، ومعلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة ، فجميع البهائم هي مولودة على ما سبق في علم الله لها ، والأشجار مخلوقة على ما سبق في علم الله ، وحينئذ فيكون كل مخلوق قد خلق على الفطرة .
وأيضا فلو كان المراد ذلك لم يكن لقوله : " " معنى ، فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها . فأبواه يهودانه ، وينصرانه
وعلى هذا القول ، فلا فرق في الفطرة بين التهويد ، والتنصير ، وبين [ ص: 1024 ] تلقين الإسلام ، فإن ذلك كله داخل فيما سبق به العلم .
وأيضا فتمثيله ذلك بالبهيمة قد ولدت جمعاء ، ثم جدعت يبين أن أبويه غيرا ما ولد عليه .
وأيضا فقوله : " " وقوله : " على هذه الملة " مخالف لهذا . إني خلقت عبادي حنفاء
وأيضا فلا فرق بين حال الولادة وسائر أحوال الإنسان ، فإنه من حين كان جنينا إلى ما لا نهاية له من أحواله على ما سبق في علم الله ، فتخصيص الولادة بكونها على مقتضى القدر تخصيص بغير مخصص .
وقد ثبت في الصحيح أنه " " فلو قيل : كل مولود ينفخ فيه الروح على الفطرة لكان أشبه بهذا القول ، مع أن النفخ هو بعد الكتابة . قبل نفخ الروح فيه يكتب رزقه ، وأجله وعمله ، وشقي أو سعيد