يا ناظرا يرنوا بعيني راقد ومشاهدا للأمر غير مشاهد منيت نفسك ظلة وأبحتها
طرق الرجاء وهن غير قواصد تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
درج الجنان بها وفوز العابد ونسيت أن الله أخرج آدما
منها إلى الدنيا بذنب واحد
فانطلق جبريل بمقالته فقال الله تعالى : يا جبريل انطلق إليه وقل له : آدم ، يقول لك ربك : ألم أخلقك بيدي ؟ ألم أنفخ فيك من روحي ؟ ألم أسجد لك ملائكتي ؟ ألم أسكنك جنتي ؟ ألم آمرك فعصيتني ؟ وعزتي وجلالي لو أن ملء الأرض رجالا مثلك ثم عصوني لأنزلتهم منازل العاصين ، غير أنه يا آدم سبقت رحمتي غضبي ، وقد سمعت تضرعك ورحمت بكاءك وأقلت عثرتك . يا
طوبى لمن قرن ذنبه بالاعتذار ، وتلافاه باستغفاره آناء الليل وأطراف النهار ، والويل كل الويل لمن أحكم عقد الإصرار ، أيها العاصي تفكر في حال أبيك ، وتذكر ما جرى له ويكفيك ، أبعد بعد القرب من ربه ، أهبط من الجنة لشؤم ذنبه ، وأسره العدو بخديعته ، ويسعى في هلاكك فاعتبر به ، فرحم الله امرءا تأهب لمحاربة عدوه في رواحه وغدوه ، فإنه مراصده في القول والعمل ويحسن له بالمكر والتسويف الأمل ، ويذكره الهوى وينسيه الأجل ، فليلبس أحصن الجنن ، فالرامي يطلب الخلل .
اصبر لمر حوادث الدهر فلتحمدن مغبة الصبر
واجهد لنفسك قبل ميتتها واذخر ليوم تفاضل الذخر
فكأن أهلك قد دعوك فلم تسمع وأنت محشرج الصدر
وكأنهم قد قلبوك على ظهر السرير وأنت لا تدري
وكأنهم قد زودوك بما يتزود الهلكى من العطر
[ ص: 24 ] يا ليت شعري كيف أنت إذا غسلت بالكافور والسدر
أوليت شعري كيف أنت على نبش الضريح وظلمة القبر
يا ليت شعري ما أقول إذا وضع الكتاب صبيحة الحشر
ما حجتي فيما أتيت على علم ومعرفة وما عذري
يا سوأتا مما اكتسبت ويا أسفي على ما فات من عمري
ألا أكون عقلت شأني فاستق بلت ما استدبرت من أمري
رجوت خلودا بعد ما مات آدم ونوح ومن بعد النبيين من قرن
وسوفت بالأعمال حتى تصرمت سنوك فلا مال ولا ولد يغني
فشمر لدار الخلد فاز مشمر إليها ونال الأمن في منزل الأمن
لقد شغلتنا أم دفر بزخرف شغلنا به عن طاعة الله ذي المن
عجبت لدنيا لا تسر وإنما تشوب على تلك المسرة بالحزن
ونحن عليها عاكفون كأنما بنا نبه من فعلها حلم الجفن
إنا على قلعة من هذه الدار نساق عنها بإمساء وإبكار
نبكي ونندب آثار الذين مضوا وسوف تلحق آثار بآثار
طالت عمارتنا الدنيا على غرر ونحن نعلم أنا غير عمار
يا من يحث بترحال على عجل ليس بالمحلة غير الفوز من نار
فاترك مفاخرة الدنيا وزينتها يوم القيامة يوم الفخر والعار
أخبرنا أحمد بن محمد المدادي قال أنبأنا الحسن بن أحمد بن البنا ، قال حدثنا الحسين بن بشران ، قال حدثنا ابن صفوان ، قال : حدثنا أبو بكر القرشي ، قال : حدثني أبو علي الطائي ، قال حدثني المحاربي ، عن أن ليث ، عيسى بن مريم عليه السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة فقال لها : كم تزوجت ؟ فقالت : لا أحصيهم . قال : أو كلهم مات عنك أو كلهم طلقك ؟ .
قالت : بل كلهم قتلت .
فقال عيسى : بؤسا لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين !
إلام تغر بالزمل الطويل وليس إلى الإقامة من سبيل
فدع عنك التعلل بالأماني فما بعد المشيب سوى الرحيل
أتأمن أن تدوم على الليالي وكم أفنين قبلك من خليل
وما زالت بنات الدهر تفني بني الأيام جيلا بعد جيل
أخبرنا قال حدثنا عبد الوهاب بن المبارك ، أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال : أخبرنا محمد بن علي بن الفتح ، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق ، أنبأنا ابن صفوان حدثنا أبو بكر القرشي ، أخبرنا قال حدثني محمد بن الحسين ، قال حدثني عبد الله بن عثمان ، عمار بن عمرو البجلي ، قال سمعت يقول : لما رأى العابدون الليل قد هجم عليهم ونظروا إلى أهل الغفلة قد سكنوا إلى فرشهم ورجعوا إلى ملاذهم ، قاموا إلى الله سبحانه وتعالى فرحين مستبشرين بما قد وهب الله لهم من السهر وطول التهجد ، فاستقبلوا الليل بأبدانهم ، وباشروا ظلمته بصفائح وجوههم ، فانقضى عنهم الليل وما انقضت لذتهم من التلاوة ، ولا ملت أبدانهم من طول العبادة ، فأصبح الفريقان وقد ولى الليل بربح وغبن ، فاعملوا لأنفسكم في هذا الليل وسواده ، فإن المغبون من غبن خير الدنيا والآخرة ، عمر بن ذر كم من قائم لله تعالى في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في ظلمة حفرته ، وكم من نائم قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله تعالى للعابدين غدا .
أخبرنا عمر بن ظفر ، قال أنبأنا جعفر بن أحمد ، قال : حدثنا عبد العزيز بن علي ، [ ص: 26 ] قال : حدثنا علي بن عبد الله الصوفي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال حدثني علي ابن سلمان ، قال : رأيت رضي الله عنه في النوم فسمعته يقول : علي بن أبي طالب
لولا اللذين لهم ورد يقومونا وآخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سحرا لأنكم قوم سوء ما تطيعونا