أتنكر أمر الموت أم أنت عارف بمنزلة تفنى وفيها المتالف كأنك قد غيبت في اللحد والثرى
كما لقي الموت القرون السوالف أرى الموت قد أفنى القرون التي مضت
فلم يبق مألوف ولم يبق آلف كأن الفتى لم يصحب الناس ليلة
إذا عصبت يوما عليه اللفائف وقامت عليه عصبة يدفنونه
فمستذكر يبكي حزينا وهاتف وغيب في لحد كريه فناؤه
ونضد من لبن عليه السقائف وما صاحب البحر القطيع مكانه
إذا هاج آذى من بعليه وقاصف أحق بطول الحزن من ضيف غربة
تصدع عنه أهله والمعارف
قال ميمون بن مهران : رضي الله عنه إلى المقبرة ، فلما نظر إلى القبور بكى ثم أقبل علي فقال : يا أبا أيوب : هذه قبور آبائي كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم ، أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات واستحكم فيهم البلاء ، وأصاب الهوام في أبدانهم مقيلا ! ثم بكى حتى غشي عليه ثم أفاق فقال : انطلق بنا فوالله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله عز وجل . عمر بن عبد العزيز خرجت مع
صور طواها الموت طيا كانت محببة إليا
تبلى ويأكلها الترا ب وذكرها غض إليا
صرعى بأنواع الحتو ف كأنهم شربوا الحميا
لهفي على تلك الوجو ه وهل يرد اللهف شيا
أبكي عليهم ثم أر جع بعدهم أبكي عليا
أنا ميت بعد الحيا ة وميت للحزن حيا
بيتي الثرى ولو انني نلت السماء أو الثريا
ولو اعتبرت لعاد لي غيلان وهو يذم ميا
[ ص: 145 ] من للسماء بأن تدو م وأنها تدعى سميا
هيهات لا ترجو البقا ء وابك نفسك يا أخيا
كم طوى الموت من نعيم وعز وديار من أهلها أخلاها
وجنود أحالها وجدود ووجوه أحال منها حلاها
أين من كان ناعما في قصور بعلا المكرمات شيدت علاها
قد جفاها من كان يرتاح حينا نحوها بعد إلفه وقلاها
ومن لكسرى لو فدى نفسه بكل ما أحرزه من بدر
أنصبت العمار ساحاتهم ثم تخلى عامر من عمر
فاسم بذكر الله لا غيره فإن ذكر الله خير السمر
وشمر الذيل إلى عفوه فكل مسعود إليه انشمر
رضي الفتى بعنائه وشقائه لو أن ظل بقائه ممدود
ويح له ما إن يعد لنفسه ويبيده نفس له ممدود
يغذى بأسقية له وألذة لو كان ينفع في الحياة لدود
ملك يشيد ما بنى ويشيد أر كان البناء وركنه مهدود
[ ص: 146 ] ويرى طريق الحق كل أخي حجا وكأنه عن فعله مصدود
جسد يكد لأن يفوز بقوته فإن استراح فقلبه المكدود