ش : يتذبذب : يضطرب ويتردد . وهذه الحالة التي وصفها الشيخ رحمه الله حال كل من [ ص: 243 ] المذموم ، أو أراد أن يجمع بينه وبين الكتاب والسنة ، وعند التعارض يتأول النص ويرده إلى الرأي والآراء المختلفة ، فيئول أمره إلى الحيرة والضلال والشك ، كما قال عدل عن الكتاب والسنة إلى علم الكلام ، وهو من أعلم الناس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم ، في كتابه ( ( تهافت التهافت ) ) : ومن الذي قال في الإلهيات شيئا يعتد به ؟ . وكذلك ابن رشد الحفيد ، أفضل أهل زمانه ، واقف في المسائل الكبار حائر . وكذلك الآمدي رحمه الله ، انتهى آخر أمره إلى الوقف والحيرة في المسائل الكلامية ، ثم أعرض عن تلك الطرق وأقبل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، فمات [ ص: 244 ] والبخاري على صدره . وكذلك الغزالي أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ، قال في كتابه الذي صنفه في أقسام اللذات :
نهاية إقدام العقول عقال وغاية سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وحاصل دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
سوى أن جمعنا فيه : قيل وقالوا فكم ند رأينا من رجال ودولة
فبادوا جميعا مسرعين وزالوا وكم من جبال قد علت شرفاتها رجال
، فزالوا والجبال جبال
وكذلك قال الشيخ ، أنه لم يجد عند الفلاسفة والمتكلمين إلا الحيرة والندم ، حيث قال : أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم الشهرستاني
[ ص: 245 ]
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم
فيك يا أغلوطة الفكر حار أمري وانقضى عمري
سافرت فيك العقول فما ربحت إلا أذى السفر
فلحى الله الألى زعموا أنك المعروف بالنظر
كذبوا إن الذي ذكروا خارج عن قوة البشر
ومن يصل إلى مثل هذه الحال إن لم يتداركه الله برحمته وإلا تزندق ، كما قال أبو يوسف : من طلب الدين بالكلام تزندق ، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن طلب غريب الحديث كذب . وقال رحمه الله : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في القبائل والعشائر ، ويقال : هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام . وقال : لقد اطلعت من أهل الكلام على شيء ما ظننت مسلما يقوله ، ولأن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه - ما خلا الشرك بالله - خير له من أن يبتلى بالكلام . انتهى . الشافعي
وتجد أحد هؤلاء عند الموت يرجع إلى مذهب العجائز ، فيقر بما أقروا به ويعرض عن تلك الدقائق المخالفة لذلك ، التي كان يقطع [ ص: 248 ] بها ، ثم تبين له فسادها ، أو لم يتبين له صحتها ، فيكونون في نهاياتهم - إذا سلموا من العذاب - بمنزلة أتباع أهل العلم من الصبيان والنساء والأعراب .
والدواء النافع لمثل هذا المرض ، ما كان طبيب القلوب صلوات الله وسلامه عليه يقوله - إذا قام من الليل يفتتح صلاته : جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم . خرجه اللهم رب مسلم . توسل صلى الله عليه وسلم إلى ربه بربوبية جبريل وميكائيل وإسرافيل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، إذ حياة القلب بالهداية . وقد وكل الله سبحانه هؤلاء الثلاثة بالحياة : فجبريل موكل بالوحي الذي هو سبب حياة القلوب ، وميكائيل بالقطر الذي هو سبب حياة الأبدان وسائر الحيوان ، وإسرافيل بالنفخ في الصور الذي هو سبب حياة العالم وعود الأرواح إلى أجسادها . فالتوسل إلى الله سبحانه بربوبية هذه الأرواح العظيمة الموكلة بالحياة ، له تأثير عظيم في حصول المطلوب . والله المستعان .