وقوله : والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان . إلى آخره . التعمق : هو المبالغة في طلب الشيء . والمعنى : أن  المبالغة في طلب القدر والغوص في الكلام فيه   ذريعة الخذلان . الذريعة : الوسيلة . والذريعة والدرجة والسلم - متقارب المعنى ، وكذلك الخذلان والحرمان والطغيان متقارب المعنى أيضا . لكن الخذلان في مقابلة النصر ، والحرمان في مقابلة الظفر . والطغيان في مقابلة الاستقامة .  
 [ ص: 337 ] وقوله : فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة . عن   أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال :  جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به ؟ قال : وقد وجدتموه ؟ [ قالوا : نعم ] ، قال : ذلك صريح الإيمان     . رواه  مسلم  ، الإشارة بقوله : ذلك صريح الإيمان إلى تعاظمهم أن يتكلموا به . ولمسلم أيضا عن   عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه ، قال :  سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة ؟ فقال : تلك محض الإيمان      . وهو بمعنى حديث   أبي هريرة  ، فإن وسوسة النفس أو مدافعة وسواسها بمنزلة المحادثة الكائنة بين اثنين ، فمدافعة الوسوسة الشيطانية واستعظامها صريح الإيمان ومحض الإيمان . هذه طريقة  الصحابة   رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان . ثم      [ ص: 338 ] خلف من بعدهم خلف ، سودوا الأوراق بتلك الوساوس ، التي هي شكوك وشبه ، بل وسودوا القلوب ، وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق ، ولذلك أطنب الشيخ رحمه الله في  ذم الخوض في الكلام في القدر   والفحص عنه . وعن  عائشة  رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :  أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم     . وقال الإمام  أحمد  حدثنا  أبو معاوية  حدثنا   داود بن أبي هند  عن   عمرو بن شعيب  عن أبيه عن جده ، قال :  خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم والناس يتكلمون في القدر ، قال : فكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب ، قال : فقال لهم : ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض ؟ بهذا هلك من كان قبلكم     . قال : فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله لم أشهده ، بما غبطت نفسي بذلك المجلس ، أني لم أشهده . ورواه ابن ماجه  أيضا . وقال تعالى :  فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا      ( التوبة : 69 ) ، الخلاق : النصيب ،      [ ص: 339 ] قال تعالى :  وما له في الآخرة من خلاق      ( البقرة : 200 ) ، أي : استمتعتم بنصيبكم كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم وخضتم كالذي خاضوا ، أي : كالخوض الذي خاضوه ، أو كالفوج أو الصنف أو الجيل الذي خاضوا .  
				
						
						
