وأما الشخص المعين ، إذا قيل : هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر ؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة ، فإنه  من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له   ولا يرحمه بل يخلده في النار ، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت . ولهذا ذكر  أبو داود  في سننه في كتاب الأدب : " باب النهي عن البغي " ، وذكر فيه عن   أبي هريرة  رضي الله عنه ، قال :  سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :  كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين ، فكان أحدهما يذنب ، والآخر مجتهد في العبادة   ، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب ، فيقول : أقصر ، فوجده يوما على ذنب ، فقال له : أقصر . فقال : خلني وربي ، أبعثت علي رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الجنة ، فقبض أرواحهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : أكنت بي عالما ؟ أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب : اذهب فادخل      [ ص: 437 ] الجنة برحمتي ، وقال للآخر : اذهبوا به إلى النار     . قال   أبو هريرة     : والذي نفسي بيده ، لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته . وهو حديث حسن .  
ولأن  الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له ،   أو يمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص ، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله ، كما غفر للذي قال : إذا مت فاسحقوني ثم ذروني ، ثم غفر الله له لخشيته ، وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته ، أو شك في ذلك . لكن هذا التوقف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا ، لمنع بدعته ، وأن نستتيبه ، فإن تاب وإلا قتلناه .  
ثم إذا كان القول في نفسه كفرا قيل : إنه كفر والقائل له يكفر بشروط وانتفاء موانع ، ولا يكون ذلك إلا إذا صار منافقا زنديقا . فلا يتصور أن يكفر أحد من أهل القبلة المظهرين الإسلام إلا من يكون منافقا زنديقا . وكتاب الله يبين ذلك ، فإن الله صنف الخلق فيه ثلاثة أصناف : صنف : كفار من المشركين ومن أهل الكتاب ، وهم الذين لا يقرون بالشهادتين . وصنف : مؤمنون باطنا وظاهرا . وصنف أقروا به      [ ص: 438 ] ظاهرا لا باطنا . وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة . وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر وكان مقرا بالشهادتين . فإنه لا يكون إلا زنديقا ،  والزنديق هو المنافق      .  
وهنا يظهر غلط الطرفين ، فإنه من كفر كل من قال القول المبتدع في الباطن ، يلزمه أن يكفر أقواما ليسوا في الباطن منافقين ، بل هم في الباطن يحبون الله ورسوله ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين ، كما ثبت في صحيح   البخاري ،  عن   أسلم مولى عمر     [ رضي الله عنه ] ، عن  عمر     :  أن رجلا كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه :  عبد الله ،  وكان يلقب : حمارا ، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جلده من الشراب ، فأتي به يوما ، فأمر به فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ! ما أكثر ما يؤتى به ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلعنه ، فإنه يحب الله ورسوله  وهذا أمر متيقن به في طوائف كثيرة وأئمة في العلم والدين ، وفيهم بعض مقالات  الجهمية   أو  المرجئة   أو  القدرية   أو  الشيعة   أو  الخوارج      . ولكن الأئمة في العلم والدين لا يكونون قائمين      [ ص: 439 ] بجملة تلك البدعة ، بل بفرع منها . ولهذا انتحل أهل هذه الأهواء لطوائف من السلف المشاهير .  
				
						
						
