ش : اختلف الناس ، اختلافا كثيرا : فذهب فيما يقع عليه اسم الإيمان مالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وسائر أهل الحديث ، وأهل وإسحاق بن راهويه المدينة رحمهم الله ، وأهل الظاهر ، وجماعة من المتكلمين : إلى أنه تصديق بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان .
وذهب كثير من أصحابنا إلى ما ذكره رحمه الله : أنه الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان . الطحاوي
ومنهم من يقول : إن الإقرار باللسان ركن زائد ليس بأصلي ، وإلى [ ص: 460 ] هذا ذهب أبو منصور الماتريدي رحمه الله ، ويروى عن أبي حنيفة رضي الله عنه .
وذهب الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ! فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملو الإيمان ، ولكنهم يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به ! وقولهم ظاهر الفساد .
وذهب الجهم بن صفوان وأبو الحسين الصالحي أحد رؤساء القدرية - إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب ! وهذا القول أظهر فسادا مما قبله ! فإن لازمه أن فرعون وقومه كانوا مؤمنين ، فإنهم عرفوا صدق موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، ولم يؤمنوا بهما ، ولهذا قال موسى لفرعون : لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر [ الإسراء : 102 ] . وقال تعالى : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين [ النمل : 14 ] . وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم ، ولم يكونوا مؤمنين به ، بل كافرين به ، معادين له ، وكذلك [ ص: 461 ] أبو طالب عنده يكون مؤمنا ، فإنه قال :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
[ ص: 462 ] وبين هذه المذاهب مذاهب أخر ، بتفاصيل وقيود ، أعرضت عن ذكرها اختصارا ، ذكر هذه المذاهب أبو المعين النسفي في " تبصرة الأدلة " وغيره .
وحاصل الكل يرجع إلى أن الإيمان : إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهم الله ، كما تقدم ، أو بالقلب واللسان دون الجوارح ، كما ذكره عن الطحاوي أبي حنيفة وأصحابه رحمهم الله . أو باللسان وحده ، كما تقدم ذكره عن الكرامية . أو بالقلب وحده ، وهو إما المعرفة ، كما قاله الجهم ، أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمه الله . وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر .