[ ص: 797 ] والجبرية : أصل قولهم من   الجهم بن صفوان ،  كما تقدم ، وأن فعل العبد بمنزلة طوله ولونه ! وهم عكس القدرية نفاة القدر ، فإن القدرية إنما نسبوا إلى القدر لنفيهم إياه ، كما سميت  المرجئة   لنفيهم الإرجاء ، وأنه لا أحد مرجأ لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم . وقد  تسمى  الجبرية "   قدرية "   لأنهم غلوا في إثبات القدر ، وكما يسمى الذين لا يجزمون بشيء من الوعد والوعيد ، بل يغلون في إرجاء كل أمر حتى الأنواع ، فلا يجزمون بثواب من تاب ، كما لا يجزمون بعقوبة من لم يتب ، وكما لا يجزم لمعين . وكانت المرجئة الأولى يرجئون عثمان وعليا ، ولا يشهدون بإيمان ولا كفر ! !  
وقد ورد في  ذم القدرية   أحاديث في السنن : منها ما روى  أبو داود  في سننه ، من حديث   عبد العزيز بن أبي حازم ،  عن أبيه ، عن   ابن عمر ،  عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :  القدرية مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم     . وروي في ذم  القدرية   أحاديث أخر كثيرة ، تكلم أهل الحديث في صحة رفعها ، والصحيح أنها موقوفة ، بخلاف الأحاديث الواردة في ذم الخوارج ، فإن فيهم في الصحيح وحده عشرة أحاديث ، أخرج   البخاري  منها ثلاثة ، وأخرج  مسلم  سائرها . ولكن مشابهتهم  للمجوس   ظاهرة ، بل قولهم أردأ من قول  المجوس ،   فإن  المجوس   اعتقدوا وجود خالقين ،  والقدرية   اعتقدوا خالقين ! !  
وهذه البدع المتقابلة حدثت من الفتن المفرقة بين الأمة ، كما ذكر      [ ص: 798 ]  البخاري  في صحيحه ،  عن   سعيد بن المسيب ،  قال : وقعت الفتنة الأولى ، يعني مقتل  عثمان ،  فلم تبق من أصحاب بدر أحدا . ثم وقعت الفتنة [ يعني الحرة ] ، فلم تبق من أصحاب الحديبية أحدا . ثم وقعت الثالثة ، فلم ترتفع وللناس طباخ ، أي عقل وقوة     .  
 [ ص: 799 ] فالخوارج   والشيعة   حدثوا في الفتنة الأولى ،  والقدرية   والمرجئة   في الفتنة الثانية ،  والجهمية   ونحوهم بعد الفتنة الثالثة . فصار هؤلاء  الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا      - يقابلون البدعة بالبدعة ، أولئك غلوا في علي ، وأولئك كفروه ! وأولئك غلوا في الوعيد ، حتى خلدوا بعض المؤمنين ، وأولئك غلوا في الوعد حتى نفوا بعض الوعيد أعني  المرجئة      ! وأولئك غلوا في التنزيه حتى نفوا الصفات ، وهؤلاء غلوا في الإثبات ، حتى وقعوا في التشبيه ! وصاروا يبتدعون من الدلائل والمسائل ما ليس بمشروع ، ويعرضون عن الأمر المشروع ، وفيهم من استعان على ذلك بشيء من كتب الأوائل :  اليهود   والنصارى   والمجوس   والصابئين ،   فإنهم قرءوا كتبهم ، فصار عندهم من ضلالتهم ما أدخلوه في مسائلهم ودلائلهم ، وغيروه في اللفظ تارة ، وفي المعنى أخرى ! فلبسوا الحق بالباطل ، وكتموا حقا جاء به نبيهم ، فتفرقوا واختلفوا وتكلموا حينئذ في الجسم والعرض والتجسيم ، نفيا وإثباتا .  
				
						
						
