قوله : ( وهو بالحق والهدى ، وبالنور والضياء ) . المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى ،
ش : أما كونه مبعوثا إلى عامة الجن ، فقال تعالى حكاية عن قول الجن : ياقومنا أجيبوا داعي الله ( الأحقاف : 31 ) ، الآية . وكذا [ ص: 168 ] سورة الجن تدل على أنه أرسل إليهم أيضا . قال مقاتل : لم يبعث الله رسولا إلى الإنس والجن قبله . وهذا قول بعيد . فقد قال تعالى : يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ( الأنعام : 130 ) ، الآية ، والرسل من الإنس فقط ، وليس من الجن رسول ، كذا قال مجاهد وغيره من السلف والخلف . وقال رضي الله عنهما : الرسل من بني ابن عباس آدم ، ومن الجن نذر . وظاهر قوله تعالى حكاية عن الجن : إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ( الأحقاف : 30 ) الآية : يدل على أن موسى مرسل إليهم أيضا . والله أعلم .
وحكى عن ابن جرير : أنه زعم أن في الجن رسلا ، واحتج بهذه الآية الكريمة . وفي الاستدلال بها على ذلك نظر لأنها محتملة وليست بصريحة ، وهي - والله أعلم - كقوله : الضحاك بن مزاحم يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ( الرحمن : 22 ) والمراد : من أحدهما .
[ ص: 169 ] وأما كونه مبعوثا إلى كافة الورى ، فقد قال : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ( سبإ : 28 ) . وقد قال تعالى : قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا ( الأعراف : 128 ) . وقال تعالى : وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( الأنعام : 19 ) . أي : وأنذر من بلغه . وقال تعالى : وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ( النساء : 39 ) وقال تعالى : أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ( يونس : 2 ) ، الآية . وقال تعالى : تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ( الفرقان : 1 ) . وقد قال تعالى : وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ( آل عمران : 20 ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ، أخرجاه في الصحيحين . أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه [ خاصة ] وبعثت إلى الناس عامة
[ ص: 170 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ، رواه لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار مسلم . وكونه صلى الله عليه وسلم مبعوثا إلى الناس كافة معلوم من دين الإسلام بالضرورة .
وأما : فظاهر البطلان ، فإنهم لما صدقوا بالرسالة لزمهم تصديقه في كل ما يخبر به ، وقد قال أنه رسول الله إلى الناس عامة ، والرسول لا يكذب ، فلزم تصديقه حتما ، فقد أرسل رسله وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى وقيصر والنجاشي قول بعض النصارى أنه رسول إلى العرب خاصة والمقوقس وسائر ملوك الأطراف ، يدعو إلى الإسلام .