الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2168 - حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سليمان بن المغيرة ، وحماد بن سلمة ، وجعفر بن سليمان ، - كلهم - عن ثابت ، عن أنس .

قال أبو داود : وحدثناه شيخ سمعه من النضر بن أنس - وقد دخل حديث بعضهم في بعض - قال : قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم - وهي أم أنس - : إن هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - يحرم الخمر ، فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك ، فجاء أبو طلحة فخطب أم سليم ، فكلمها في ذلك ، فقالت : يا أبا طلحة ، ما مثلك يرد ، ولكنك امرؤ كافر ، وأنا امرأة مسلمة ، لا يصلح لي أن أتزوجك ، فقال : ما ذاك دهرك ، قالت : وما دهري ؟ قال : الصفراء والبيضاء ، قالت : فإني لا أريد صفراء ولا بيضاء ، أريد منك الإسلام ، قال : فمن لي بذلك ؟ قالت : لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 534 ] ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، فلما رآه قال : جاءكم أبو طلحة ، غرة الإسلام بين عينيه . فجاء ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم ، فتزوجها على ذلك ، قال ثابت : فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه ، إنها رضيت الإسلام مهرا ، فتزوجها ، وكانت امرأة مليحة العينين ، فيها صغر ، فكانت معه حتى ولد له بني ، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا ، ومرض الصبي ، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له ، فانطلق أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومات الصبي ، فقالت أم سليم : لا ينعين إلى أبي طلحة أحد ابنه ، حتى أكون أنا الذي أنعاه له ، فهيأت الصبي ووضعته ، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى دخل عليها ، فقال : كيف ابني ؟ فقالت : يا أبا طلحة ، ما كان منذ اشتكى أسكن منه الساعة ، قال : فلله الحمد ، فأتته بعشائه ، فأصاب منه ، ثم قامت فتطيبت وتعرضت له فأصاب منها ، فلما علمت أنه طعم وأصاب منها ، قالت : يا أبا طلحة ، أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما عارية لهم ، فسألوهم إياها ، أكان لهم أن يمنعوهم ؟ فقال : لا ، قالت : فإن الله عز وجل كان [ ص: 535 ] أعارك ابنك عارية ثم قبضه إليه ، فاحتسب ابنك واصبر ، فغضب ، ثم قال : تركتيني حتى إذا وقعت بما وقعت به ، نعيت إلي ابني ، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لكما في غابر ليلتكما " فتلقت من ذلك الحمل ، وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، تخرج معه إذا خرج ، وتدخل معه إذا دخل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا ولدت فأتوني بالصبي " فأخذها الطلق ليلة قربهم من المدينة ، فقالت : اللهم إني كنت أدخل إذا دخل نبيك ، وأخرج إذا خرج نبيك ، وقد حضر هذا الأمر ، فولدت غلاما ، وقالت لابنها أنس ، انطلق بالصبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ أنس الصبي فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يسم إبلا أو غنما ، فلما نظر إليه قال لأنس : " أولدت بنت ملحان ؟ " قال : نعم ، فألقى ما في يده ، فتناول الصبي ، فقال : " ائتوني بتمرات عجوة " فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم التمر ، فجعل يحنك الصبي ، وجعل الصبي يتلمظ ، فقال : " انظروا إلى حب الأنصار التمر " فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسماه عبد الله   .

قال ثابت : وكان يعد من خيار المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية