الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
789 - حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب ، قال أبو داود : وحدثناه عمرو بن ثابت ، سمعه من المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب ، وحديث أبي عوانة أتمهما . قال البراء : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله كأنما [ ص: 115 ] على رءوسنا الطير - قال عمرو بن ثابت : وقع ، ولم يقله أبو عوانة - فجعل يرفع بصره وينظر إلى السماء ويخفض بصره وينظر إلى الأرض ، ثم قال : " أعوذ بالله من عذاب القبر " ، قالها مرارا ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فجلس عند رأسه فيقول : اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى مغفرة من الله ورضوان ، فتخرج نفسه وتسيل كما يسيل قطر السقاء " ، قال عمرو في حديثه ولم يقله أبو عوانة : " وإن كنتم ترون غير ذلك ، وتنزل ملائكة من الجنة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ، معهم أكفان من أكفان الجنة وحنوط من حنوطها ، فيجلسون منه مد البصر ، فإذا قبضها الملك لم يدعوها في يده طرفة عين ، فذلك قوله عز وجل : توفته رسلنا وهم لا يفرطون ، قال : " فتخرج نفسه كأطيب ريح وجدت ، فتعرج به الملائكة ، فلا [ ص: 116 ] يأتون على جند بين السماء والأرض إلا قالوا : ما هذا الروح ؟ فيقال : فلان - بأحسن أسمائه ، حتى ينتهوا به إلى باب سماء الدنيا فيفتح له ، ويشيعه من كل سماء مقربوها ، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة ، فيقول : اكتبوا كتابه في عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون ، فيكتب كتابه في عليين ، ثم يقال : ردوه إلى الأرض ، فإني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى ، فيرد إلى الأرض وتعاد روحه في جسده ، فيأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلام ، فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله ، فيقولان : وما يدريك ؟ فيقول : جاءنا بالبينات من ربنا فآمنت به وصدقته " ، قال : " وذلك قوله عز وجل : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، قال : " وينادي مناد من السماء أن قد صدق عبدي ، فألبسوه من الجنة وأفرشوه منها ، وأروه منزله منها . فيلبس من الجنة ويفرش منها ويرى منزله منها ، ويفسح له مد بصره [ ص: 117 ] ويمثل له عمله في صورة رجل حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب فيقول : أبشر بما أعد الله عز وجل لك ، أبشر برضوان الله وجنات فيها نعيم مقيم ، فيقول : بشرك الله بخير ، من أنت ؟ فوجهك الوجه الذي جاء بالخير ، فيقول : هذا يومك الذي كنت توعد والأمر الذي كنت توعد ، أنا عملك الصالح ، فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا عن معصية الله ، فجزاك الله خيرا ، فيقول : يا رب أقم الساعة كي أرجع إلى أهلي ومالي . قال : وإن كان فاجرا فكان في قبل من الآخرة وانقطاع من الدنيا جاءه ملك فجلس عند رأسه فقال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، أبشري بسخط الله وغضبه ، فتنزل ملائكة سود الوجوه معهم مسوح ، فإذا قبضها الملك قاموا فلم يدعوها في يده طرفة عين ، قال : فتغرق في جسده فيستخرجها يقطع معها العروق والعصب كالسفود [ ص: 118 ] الكبير الشعب في الصوف المبلول ، فتؤخذ من الملك فتخرج كأنتن ريح وجدت ، فلا تمر على جند فيما بين السماء والأرض إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : هذا فلان - بأسوأ أسمائه ، حتى ينتهوا إلى سماء الدنيا فلا تفتح له ، فيقول : ردوه إلى الأرض ، إني وعدتهم أني منها خلقتهم وفيها نعيدهم ومنها نخرجهم تارة أخرى " ، قال : " فيرمى به من السماء " ، قال : " فتلا هذه الآية : ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء الآية " ، قال : " ويعاد إلى الأرض ، وتعاد فيه روحه ، ويأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه ، فيقولان : من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فلا يهتدي لاسمه ، فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون ذاك ، قال : فيقال : لا دريت - فيضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ، ويمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه منتن الريح قبيح الثياب ، فيقول : أبشر بعذاب من الله وسخطه ، فيقول : من أنت ، فوجهك الوجه الذي جاء بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ، والله ما علمتك إلا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا إلى معصية الله  ، قال عمرو في حديثه عن المنهال عن زاذان عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 119 ] " فيقيض له ملك أصم أبكم معه مرزبة لو ضرب بها جبل صار ترابا - أو قال : رميما - فيضربه بها ضربة يسمعها الخلائق إلا الثقلين ، ثم تعاد فيه الروح فيضربه ضربة أخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية