الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأنفقوا في سبيل الله كل ما أمر الله به من الخير فهو في سبيل الله وأكثر ما يستعمل في الجهاد ؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة الباء في بأيديكم: زائدة، يقال لكل من أخذ في عمل: قد ألقى يديه إليه وفيه.

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قول لبيد:


                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا ألقت يدا في كافر



                                                                                                                                                                                                                                      يعني: الشمس إذا بدأت في المغيب.

                                                                                                                                                                                                                                      و "التهلكة": الهلاك، يقال: هلك يهلك هلاكا وهلكا وهلكا وتهلكة.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى الهلاك: الضياع، وهو مصير الشيء بحيث لا يدرى أين هو، والمعنى: ولا تقربوا مما يهلككم ؛ لأن من ألقى يده إلى الشيء فقد قرب منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا مبالغة في الزجر، وتأكيد في النهي، وكأنه المعنى: لا تقربوا من ترك الإنفاق في سبيل الله،  أي: لا تمسكوا ولا تبخلوا، وهذا نهي عن ترك النفقة في الجهاد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 294 ] قال ابن عباس: أنفق في سبيل الله وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن أحدكم: لا أجد شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال السدي: أنفق في سبيل الله ولو عقالا، ولا تقل ليس عندي شيء.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: معناه: إنكم إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم بالمعصية، وجائز أن يكون: هلكتم بتقوي عدوكم عليكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو أيوب الأنصاري: إنها نزلت فينا معشر الأنصار لما أعز الله دينه ونصر رسوله، قلنا: لو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا، معنى الآية: لا تتركوا الجهاد فتهلكوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين قال ابن عباس: أحسنوا الظن بالله،  فإنه يضاعف الثواب، ويخلف لكم النفقة.

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى قول أبي أيوب، معنى وأحسنوا: أي: جاهدوا في سبيل الله، والمجاهد: محسن.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية