الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب  الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وأتموا الحج والعمرة لله قال ابن عباس ومجاهد: أتموهما بمناسكهما وحدودهما وسننهما، [ ص: 295 ] وتأدية كل ما فيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال علي وابن مسعود: إتمامهما: أن تحرم بهما من دويرة أهلك مؤتنفين.

                                                                                                                                                                                                                                      والعمرة واجبة  في قول علي، وابن عباس ، وهو قول الشافعي في الجديد، وقال ابن عباس: والله إن العمرة لقرينة الحج في كتاب الله، قال الله تعالى: وأتموا الحج والعمرة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد الطوسي، أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الحافظ، حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: العمرة واجبة  كوجوب الحج، وهو الحج الأصغر.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد، أخبرنا علي، حدثنا علي بن الحسن بن رستم، حدثنا محمد بن سعيد أبو يحيى العطار، حدثنا محمد بن كثير الكوفي، حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن سيرين، عن زيد بن ثابت قال:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 296 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الحج والعمرة فريضتان، لا يضرك بأيهما بدأت".  


                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو حفص عمر بن أحمد الماوردي، حدثنا إسماعيل بن نجيد، حدثنا أبو محمد بن نعيم، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن لهيعة، عن عطاء، عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "الحج والعمرة فريضتان واجبتان".  

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو طاهر الزيادي، أخبرنا محمد بن الحسن المحمدأباذي، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا الثوري، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العمرتان تكفران ما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"   .

                                                                                                                                                                                                                                      رواه البخاري، عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن سمي [ ص: 297 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبد الرحمن بن محمد العدل، حدثنا محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا سليمان بن سيف الحراني، حدثنا أبو عتاب سهل بن حماد، حدثنا عزرة بن ثابت، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد"  وقوله: فإن أحصرتم أي: حبستم ومنعتم عن إتمام الحج.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل الحصر والإحصار: الحبس، يقال: من حصرك ها هنا، ومن أحصرك؟ وكل من أحرم بحج أو عمرة وجب عليه الإتمام، فإن أحصره عدو أو سلطان نحر هديا لإحصاره حيث أحصر، وحل من إحرامه،  وهو قوله تعالى: فما استيسر من الهدي ، قال ابن عباس، وقتادة: أعلاه بدنة، وأوسطه بقرة، وأدناه شاة، فعليه ما تيسر من هذه الأجناس.

                                                                                                                                                                                                                                      و "الهدي": ما يهدى إلى بيت الله، جمع هدية، هذه لغة أهل الحجاز، وتيم تقول: هدية وهدى.

                                                                                                                                                                                                                                      مثل:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 298 ] مطية ومطى بالتشديد - قال الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                      حلفت برب مكة والمصلى وأعناق الهدي مقلدات

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله أي: لا تتحللوا من إحرامكم حتى ينحر الهدي، ومحله: حيث يحل ذبحه ونحره.

                                                                                                                                                                                                                                      وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين صدوا عن البيت، نحروا هديهم بالحديبية، والحديبية ليست من الحرم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية المحرم إذا تأذى بهوام رأسه أو بالمرض أبيح له الحلق والمداواة، بشرط الفدية،  وهو قوله: ففدية من صيام وهو صيام ثلاثة أيام، يصوم حيث شاء، أو صدقة وهو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان، أو نسك جمع نسيكة وهي الذبيحة، أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة، وهذه الفدية على التخيير، أيها شاء فعل كما دل عليه ظاهر الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية