ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم أي: ألم تعلم؟ ألم ينته علمك إلى هؤلاء؟ ومعنى الرؤية ها هنا: رؤية القلب، وهو بمعنى العلم.
قال في رواية ابن عباس، : يعني قوما خرجوا فرارا من الطاعون، وقالوا: نأتي أرضا ليس بها [ ص: 355 ] موت. سعيد بن جبير
فخرجوا حتى إذا كانوا بموضع كذا، قال لهم الله: موتوا.
فماتوا، فمر بهم نبي من الأنبياء، فدعا ربه أن يحييهم فأحياهم، فهو هذه الآية وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم .
وقوله: إن الله لذو فضل على الناس تفضل على هؤلاء بأن أحياهم بعد موتهم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون إنعام الله عليهم بفضله.
قوله: وقاتلوا في سبيل الله قال في رواية ابن عباس عطاء: يحرض المؤمنين على القتال، واعلموا أن الله سميع لما يقوله المتعلل، عليم بما يضمره.
قوله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا "القرض": اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، يقال: أقرض فلان فلانا، إذا أعطاه ما يتجازاه منه.
والاسم منه: "القرض"، وهو ما أعطيته لتكافأ عليه.
شبه الله تعالى عمل المؤمنين لله على ما يرجون من ثوابه بالقرض، لأنهم إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما وعدهم الله من جزيل الثواب.
وقوله: قرضا حسنا قال يعني: حلالا. عطاء:
وقال الواقدي: طيبة به نفسه.
وقوله: فيضاعفه له أضعافا كثيرة قرئ بالتشديد والتخفيف، والرفع والنصب، أما التشديد والتخفيف: فهما لغتان.
ومعنى التضعيف والإضعاف والمضاعفة واحد، وهو الزيادة على أصل الشيء حتى يصير مثلين أو أكثر.
والرفع: بالنسق على يقرض، أو الاستئناف، وأما النصب: فعلى جواب الاستفهام بالفاء ؛ لأن المعنى: أيكون قرض فيضاعفه؟ [ ص: 356 ] وقال الحسن هذا التضعيف لا يعلمه إلا الله، وهو مثل قوله: والسدي: ويؤت من لدنه أجرا عظيما .
وقوله: والله يقبض ويبسط يعني: يمسك الرزق عمن يشاء ويضيق عليه، ويوسع على من يشاء.