تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون
قوله: تلك الرسل يعني جماعتهم، فضلنا بعضهم على بعض أي: أنهم لا يسوى بينهم في الفضيلة وإن استووا في القيام بالرسالة.
وروى أبو سعيد الخدري، "لا تخيروا بين الأنبياء" . عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
وفي هذا نهي عن الخوض في تفضيل بعض الأنبياء على بعض، فنستفيد من الآية معرفة أنهم متفاوتون في الفضيلة، وننتهي عن الكلام في ذلك لنهيه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: منهم من كلم الله يعني موسى، ورفع بعضهم درجات قال أرسل الله مجاهد: محمدا إلى الناس كافة.
وقال ليس شيء من الآيات التي أعطاها الأنبياء إلا وقد أعطى الزجاج: محمدا عليه السلام وأكثر.
وقال الربيع بن خيثم: لا نفضل على نبينا أحدا ولا نفضل على خليل الله أحدا.
وقوله: وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس تقدم فيما سبق تفسير هذا، ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم يعني: من بعد الرسل، من بعد ما جاءتهم البينات يعني: من بعد ما وضحت لهم البراهين، ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ثبت على إيمانه، ومنهم من كفر كالنصارى بعد المسيح، اختلفوا فصاروا فرقا ثم تحاربوا، ولو شاء الله ما اقتتلوا كرر المشيئة باقتتالهم تأكيدا للأمر، وتكذيبا لمن زعم أنهم فعلوا ذلك من عند أنفسهم لم يجر به قضاء من الله تعالى ولا قدر، ثم قال: ولكن الله يفعل ما يريد فيوفق من يشاء فضلا، ويخذل من يشاء عدلا.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم قال أراد الزكاة المفروضة. الحسن:
وقال أبو [ ص: 364 ] إسحاق: أي: وليعن بعضكم بعضا. أنفقوا في الجهاد
من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه يعني يوم القيامة، يريد: لا يؤخذ في ذلك اليوم بدل ولا فداء، فذكر لفظ البيع لما فيه من المعاوضة وأخذ البدل، ولا خلة والخلة: مصدر الخليل، والخلة تنقطع يوم القيامة بين الأخلاء إلا المتقين، كقوله: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ، وقوله: ولا شفاعة إنما نفى الشفاعة عاما ؛ لأنه أراد الكافرين، بأن هذه الأشياء لا تنفعهم، ألا ترى أنه قال: والكافرون هم الظالمون ؟ أي: هم الذين وضعوا أمر الله غير موضعه.