الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم :

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا عبيد الله بن محمد بن محمد الزاهد، أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا هارون بن إسحاق، حدثنا محمد بن عبد الوهاب السكري، عن سفيان، عن [ ص: 365 ] سعيد بن إياس الجريري، عن أبي السليل، عن عبد الله بن رباح، عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " أي آية من كتاب الله أعظم؟  قال: قلت: الله ورسوله أعلم، حتى أعادها ثلاثا، ثم قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال: فضرب على صدري، ثم قال: ليهنك العلم أبا المنذر "، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن الجريري.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا مسعود بن علي بن معاذ، أخبرنا محمد بن حمدويه القاضي، أخبرنا خلف بن محمد، حدثنا محمد بن حريث، حدثنا إسحاق بن حمزة، حدثنا عيسى بن موسى الغنجار، عن ابن كيسان، حدثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن ابن عمر: أنه خرج، يعني: عمر، ذات يوم، والناس سماطان، [ ص: 366 ] فقال: يا أيها الناس أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن؟ فسكت القوم، فقال: هل فيكم ابن أم عبد؟ قالوا: نعم، وكان قد جاء في أخريات الناس، فأومأ إليه، وقال: ها هنا يا أبا عبد الرحمن فدنا منه، قال: هل أنت مخبري بأعظم آية في القرآن؟ فقال: على الخبير سقطت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أعظم آية في القرآن:  الله لا إله إلا هو الحي القيوم إلى آخرها.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي، أخبرنا الإمام أبو بكر محمد بن علي القفال، حدثنا الحسين بن موسى بن خلف، حدثنا إسحاق بن رزيق، حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي، حدثنا ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة  خرقت سبع سماوات فلم يلتئم خرقها حتى ينظر الله إلى قائلها فيغفر له، ثم يبعث الله إليه ملكا فيكتب حسناته ويمحو سيئاته إلى الغد من تلك الساعة" وقوله: الله رفع بالابتداء، وما بعده خبره، لا إله إلا هو نفي إله سواه توكيد وتحقيق لإلهيته ؛ لأن قولك: لا كريم إلا زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      أبلغ من قولك: زيد كريم.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 367 ] والحي: من له الحياة، وهي صفة تخالف الموت، وذا الجمادية، ومعنى الحي في صفة الله:  الدائم البقاء، والقيوم: مبالغة من القائم، قال مجاهد: القيوم: القائم على كل شيء، وتأويله: أنه قائم بتدبير أمر الخلق في إنشائهم وأرزاقهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك: القيوم: الدائم الوجود.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو عبيدة: الذي لا يزول الاستقامة وصف بالوجود حيث لا يجوز عليه التغير بوجه من الوجوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: لا تأخذه سنة ولا نوم السنة: ثقل النعاس، وهو مصدر، يقال: وسن يوسن سنة ووسنا.

                                                                                                                                                                                                                                      والنوم: الغشية الثقيلة التي تهجم على القلب فتقطعه عن معرفة الأمور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفضل: السنة في الرأس والنوم في القلب.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: أنه لا يغفل عن تدبير الخلق والعلم بالأشياء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه استفهام معناه: الإنكار والنفي أي: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه وأمره، وذلك أن المشركين كانوا يزعمون أن الأصنام تشفع لهم، فأخبر الله تعالى أنه لا شفاعة عنده لأحد إلا بإذنه، يعني: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم  وشفاعة بعض المؤمنين لبعض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم قال مجاهد وعطاء والسدي: ما بين أيديهم من أمر الدنيا، وما خلفهم من أمر الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الضحاك والكلبي: ما بين أيديهم يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها، وما خلفهم الدنيا، لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يحيطون بشيء من علمه قال الليث: يقال لكل من أحرز شيئا أو بلغ علمه أقصاه: قد أحاط به.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 368 ] من علمه أي: من معلومه، والمفعول يسمى بالمصدر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا بما شاء إلا بما أنبأ به الأنبياء، ليكون دليلا على ثبوت نبوتهم، قال ابن عباس: يريد: ما أطلعتهم على علمه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وسع كرسيه السماوات والأرض يقال: وسع فلان الشيء يسعه سعة، إذا احتمله وأطاقه وأمكنه القيام به.

                                                                                                                                                                                                                                      ويقال: لا يسعك هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      أي: لا تطيقه ولا تحتمله.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الكرسي فقال ابن عباس في رواية عطاء والسدي: إنه الكرسي بعينه وهو لؤلؤ، وما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس.

                                                                                                                                                                                                                                      والمعنى: إن كرسيه مشتمل بعظمه على السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو إسحاق الزجاج: وهذا القول بين ؛ لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة هو الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه، وهذا يدل على أن الكرسي عظيم، عليه السماوات والأرضون.  

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعضهم: كرسيه: سلطانه وملكه، ويكنى عن الملك بالكرسي.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس، قال: وسع علمه السماوات والأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو إسحاق الزجاج: الله أعلم بحقيقة الكرسي، إلا أن جملته أنه أمر عظيم من أمره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا يئوده حفظهما أي: لا يثقله ولا يجهده، يقال: آده يؤوده أودا، إذا أثقله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وهو العلي العظيم يقال: علا يعلو علوا فهو عال وعلي.

                                                                                                                                                                                                                                      مثل: عالم وعليم، وسامع وسميع، فالله تعالى علي بالاقتدار ونفوذ السلطان، وعلي عن الأشباه والأمثال، يقال: علا فلان عن هذا، إذا كان أرفع محلا عن [ ص: 369 ] الوصف به.

                                                                                                                                                                                                                                      فمعنى العلو في وصف الله تعالى:  اقتداره وقهره واستحقاقه صفات المدح.

                                                                                                                                                                                                                                      والعظيم معناه: أنه عظيم الشأن، لا يعجزه شيء ولا نهاية لمقدوره ومعلومه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية