قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين
قوله: قد خلت من قبلكم سنن "السنن": جمع السنة، وهي المثال المتبع والإمام المؤتم به، وسنة الله: أمره ونهيه، وسنة النبي عليه السلام: طريقته.
يقول الله تعالى: قد مضت مني فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية المكذبة الكافرة سنن بإمهالي واستدراجي إياهم، حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته في إهلاكهم، وبقيت لهم آثار في الدنيا، فيها أعظم الاعتبار.
فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة آخر أمر، المكذبين منهم.
وقوله: هذا بيان للناس يعني: القرآن بيان من العمى، وهدى من الضلال، وموعظة من الجهل، للمتقين يعني هذه الأمة.
قوله: ولا تهنوا ولا تحزنوا هذه الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين من الله تعالى، لما نالهم يوم أحد من القتل والجرح.
ومعنى ولا تهنوا: لا تضعفوا، يقال: وهن يهن وهنا فهو واهن، إذا ضعف في العمل.
قال المفسرون: لا تهنوا عن جهاد عدوكم، ولا تحزنوا على ما فاتكم من الغنيمة، فإنكم أنتم الأعلون، أي: لكم تكون العافية بالنصر والظفر.
قوله: إن كنتم مؤمنين يعني: إن الإيمان يوجب ما ذكر من ترك الوهن والحزن، أي: من كان مؤمنا يجب أن لا يهن ولا يحزن لثقته بالله عز وجل.
وقوله: إن يمسسكم قرح أي: يصيبكم، يقال: مسه أمر كذا، ومسته الحاجة، إذا أصابته.
[ ص: 497 ] والقرح قرئ بضم القاف وفتحه، وهما لغتان في غض السلاح ونحوه مما يجرح الجسد، مثل: الضعف والضعف.
يقول: إن أصابكم جرح يوم أحد فقد أصاب المشركين مثله يوم بدر، وهو قوله: فقد مس القوم قرح مثله .
وقوله: وتلك الأيام قال يعني أيام الدنيا. ابن عباس:
نداولها بين الناس قال الحسن وقتادة والسدي والربيع: نصرفها مرة لفرقة ومرة لفرقة.
و "الدولة": الكرة، يريد أنه أدال المسلمين من المشركين يوم بدر، وأدال المشركين من المسلمين يوم أحد.
وليعلم الله الذين آمنوا أي: ليعلمهم مميزين بالإيمان من غيرهم، أي: إنما يجعل الدولة للكفار على المسلمين ليميز المؤمن المخلص ممن يرتد عن الدين إذا أصابته نكبة.
والمعنى: ليقع ما علمه غيبا مشاهدة للناس، وليعلم ذلك كائنا موجودا كما علمه غيبا.
المجازاة إنما تقع بما يعلمه موجودا، لا بما علمه غيبا.
وقوله: ويتخذ منكم شهداء أي: وليكرم قوما بالشهادة، والله لا يحب الظالمين قال يعني المشركين. ابن عباس:
وفي هذا إشارة إلى أنه إنما يديل الكافرين على المؤمنين لما ذكر، لا لأنه يحبهم.
وإذا أدال المؤمنين أدالهم نصرة لهم ومحبة منه إياهم.
قوله: وليمحص الله الذين آمنوا أي: ليطهرهم من ذنوبهم ويسقطها عنهم، قال تأويل قول الناس: محص عنا ذنوبنا: أذهب ما تعلق بنا من الذنوب. المبرد:
فمعنى قوله: وليمحص الله الذين آمنوا : ليخلصهم من ذنوبهم، قال معنى الآية: جعل الله الأيام [ ص: 498 ] مداولة بين الناس ليمحص المؤمنين إذا أدال عليهم، الزجاج: ويمحق الكافرين ويستأصلهم إذا أدال عليهم، فقابل تمحيص المؤمنين بمحق الكافرين لأن تمحيص هؤلاء هو بإهلاك ذنوبهم، نظير محق الكافرين بإهلاك أنفسهم.