الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله عز وجل : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها أجمع المفسرون على أن الآية نازلة في شأن مفتاح الكعبة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة طلب المفتاح ، فقيل : إنه مع عثمان بن طلحة الحجبي ، وكان من بني عبد الدار وكان يلي سدانة الكعبة ، فوجه إليه عليا رضي الله عنه فأبى دفعه إليه ، وقال : لو [ ص: 70 ] علمت أنه رسول الله لم أمنعه المفتاح .

                                                                                                                                                                                                                                      فلوى علي يده ، وأخذه منه قسرا حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت وصلى فيه فلما خرج قال له العباس : بأبي أنت اجمع لي السدانة مع السقاية ، وسأله أن يعطيه المفتاح ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا برده إليه ، فرده إليه علي وألطف في القول ، فقال : أخذته مني قهرا ورددته علي باللطف ، قال : لأن الله تعالى أمرنا برده إليك ، وقرأ عليه الآية ، فأتى للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأسلم ، ثم إنه هاجر ودفع المفتاح إلى أخيه شيبة فهو في ولده إلى اليوم .
                                                                                                                                                                                                                                       


                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو حسان المزكي ، أخبرنا هارون بن محمد الإستراباذي ، حدثنا أبو محمد الخزاعي ، حدثنا أبو الوليد الأزرقي ، حدثنا جدي ، عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج ، عن مجاهد في هذه الآية قال : نزلت في عثمان بن طلحة : قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ، فدخل الكعبة يوم الفتح ، فخرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح وقال : "خذوها يا بني طلحة بأمانة الله لا ينزعها منكم إلا ظالم "  قال ابن عباس : هذه الآية عامة في كل أمانة ، تؤدى الأمانة إلى البر والفاجر ، والرحم توصل برة كانت أو فاجرة .  

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عمر ، وابن مسعود : الفرج أمانة ، والبصر أمانة ، والأمانة في كل شيء ، في الوضوء والصلاة ، والزكاة ، والجنابة ، والصوم ، وفي الكيل والوزن ، وأعظم من ذلك الودائع ، ولا إيمان لمن لا أمانة له .

                                                                                                                                                                                                                                      والأمانة مصدر سمي به المفعول ، ولذلك جمع أمانات لأنه أخلص اسما ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      فأخلفن ميعادي وخن أمانتي وليس لمن خان الأمانة دين

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 71 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن جعفر النحوي ، أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان ، أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، حدثنا وهب ، حدثنا خالد ، عن حسين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "يا أيها الناس إنه لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له "  وقوله : إن الله نعما يعظكم به أي : نعم شيئا يعظكم به الله ، يعني : أداء الأمانة ، والحكم بالعدل ، إن الله كان سميعا لما تقولون في الأمانة والحكم ، بصيرا : بما تعملون فيهما .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية