يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين
قوله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم الآية: قال المفسرون: إن وأخاه تميما الداري عديا كانا نصرانيين، خرجا إلى الشام ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلما مهاجرا، خرجوا تجارا، فلما قدموا الشام مرض بديل، فكتب كتابا فيه نسخة جميع ما معه، وطرحه في جوالقه ولم يخبر صاحبيه بذلك، وأوصى إليهما وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل رحمه الله فأخذا من متاعه إناء من فضة منقوشا بالذهب، ودفعا باقي المتاع إلى أهله لما قدما، ففتشوا فأصابوا الصحيفة بذكر ما كان معه وفيه ذكر الإناء، فقالوا لتميم، وعدي: إنا فقدنا من متاعه إناء من فضة فيه ثلاث مائة مثقال، فقالا: ما ندري، إنما أوصى إلينا بشيء، [ ص: 241 ] وأمرنا أن ندفعه إليكم فدفعناه، وما لنا بالإناء من علم، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل هذه الآية والتي بعدها.
فقوله: شهادة بينكم: قال أي: ليشهدكم اثنان الفراء: إذا حضر أحدكم الموت أي: أسبابه ومقدماته حين الوصية: وقت وصيته اثنان ذوا عدل منكم من أهل دينكم وملتكم، أو آخران من غيركم من غير أهل ملتكم في قول عامة المفسرين.
قال شريح: فشهادته جائزة. إذا كان الرجل بأرض غربة، ولم يجد مسلما يشهده على وصيته، فأشهد يهوديا أو نصرانيا أو أي كافر
وقال آخرون: لا تجوز شهادة أهل الذمة في شيء من أحكام المسلمين، ولا يقبل قولهم، ولا يثبت بشهادتهم حكم، وعليه الناس اليوم.
وقالوا في قوله: ذوا عدل منكم أي: من حيكم وقبيلتكم، أو آخران من غيركم أي: من غير قبيلتكم ورفقتكم.
هو قول الحسن، والسدي، وابن موسى، قالوا: ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم قال: كلهم مسلمون.
قوله: إن أنتم ضربتم في الأرض إن سافرتم وسرتم فيها، فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة قال عامة المفسرين: من بعد صلاة العصر، وأهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الأكاذيب والحلف الكاذب، فيقسمان: فيحلفان بالله إن ارتبتم شككتم في قول الآخرين الذين ليسا من أهل ملتكم.
وقوله: لا نشتري به ثمنا أي: لا نبيع عهد الله بعرض نأخذه من الدنيا، ولو كان ذا قربى ولو كان المشهود له ذا قربى، والمعنى: لا نحابي في شهادتنا أحدا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله أضيف الشهادة إلى الله [ ص: 242 ] لأمره بإقامتها والنهي عن كتمانها، إنا إذا لمن الآثمين أي: إن كتمناها لكنا من الآثمين.
ولما رفعوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت الآية، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما: بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غير هذا ولا كتمنا.
فحلفا على ذلك وخلي سبيلهما، ثم اطلع على إناء من فضة معهما، فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن عثر على أنهما استحقا إثما أي: فإن اطلع على أنهما أتيا خيانة، واستوجبا إثما بيمينهما الكاذبة، فنزل قوله: فآخران يقومان مقامهما أي: مقام الشاهدين اللذين من غيركم من الذين استحق عليهم أي: من ورثة الميت وهم الذين استحق عليهم الوصية الأوليان أي: الأقربان للميت.
وقرأ الأولين: وهو نعت لجميع الورثة المذكورين في هذه الآية في قوله: حمزة من الذين استحق عليهم ، وتقديره من الأولين الذين استحق عليهم الإيصاء.
وإنما قيل لهم الأولين لتقدم ذكرهم في قوله: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ، وكذلك: اثنان ذوا عدل منكم ، وذكر في اللفظ قبل قوله: أو آخران من غيركم وقرأ حفص استحق بفتح الحاء والتاء بمعنى وجب، والمعنى: فآخران من الذين وجب عليهم الإيصاء بتوصية ميتهم وهم ورثته.
وقوله: فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما قال ليميننا أحق من يمينهما. ابن عباس:
وسميت اليمين هاهنا شهادة; لأن اليمين كالشهادة على ما يجب عليه أنه كذلك، وما اعتدينا: فيما قلنا من أن شهادتنا أحق من شهادتهما.
فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص، والمطلب بن أبي وداعة السهميان، فحلفا بالله أنهما ما خانا [ ص: 243 ] وكذبا، فدفع الإناء إليهما وإلى أولياء الميت.
قوله: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أي: ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين أدنى إلى الإتيان بالشهادة على ما كتب، أو يخافوا أي: أقرب إلى أن يخافوا أن ترد أيمان على أولياء الميت بعد أيمانهم: فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم، فيفتضحوا ويغرموا، فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا ذلك الحكم.
واتقوا الله: أن تحلفوا أيمانا كاذبة، أو تخونوا أمانة، واسمعوا: الموعظة، والله لا يهدي القوم الفاسقين وعيد لهم بحرمان الهداية.