قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون
قوله: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهه به قومه من التكذيب.
قال أبو ميسرة: مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد إنا والله لا نكذبك، وإنك عندنا صادق، ولكن نكذب ما جئت به.
فنزلت هذه الآية.
وقوله: فإنهم لا يكذبونك قال ابن عباس، وقتادة، والسدي، هذا في المعاندين الذين عرفوا صدق ومقاتل: محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه غير كاذب فيما يقول، ولكنهم عاندوا وجحدوا، قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون في العلانية إنك كذاب مفتر، فأنزل الله تعالى فيهم: فإنهم لا يكذبونك في السر يعلمون أنك صادق، وقد عرفوا صدقك فيما مضى، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون بالقرآن بعد المعرفة.
وقال يعلمون أنك رسول الله ولكن يجحدون، كقوله: قتادة: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا وقرأ لا يكذبوك مخففا، واحتج بأن العرب تقول: كذبت الرجل. الكسائي
إذا نسبته إلى الكذب وإلى صنعة الأباطيل من القول، وأكذبته إذا أخبرت أن الذي تحدث به كذب ليس هو الصانع له.
[ ص: 266 ] وقال معنى التخفيف: لا يجعلونك كذابا، ولكن يقولون: إن ما جئت به باطل. الفراء:
ويجوز أن يكون معنى القراءتين سواء، يقال: كذبته وأكذبته، إذا نسبته إلى الكذب.
ثم أخبر الله تعالى أن الرسل قبله قد كذبتهم الأمم، فقال: ولقد كذبت رسل من قبلك قال من لدن ابن عباس: نوح إليك.
فصبروا على ما كذبوا رجاء ثوابي، وأوذوا: حتى نشروا بالمناشير وحرقوا بالنار حتى أتاهم نصرنا بتعذيب من كذبهم ولا مبدل لكلمات الله لا ناقض لما حكم به، وقد حكم في كتابه بنصر أنبيائه كقوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ، وكقوله: ولقد سبقت كلمتنا الآيات.
ولقد جاءك من نبإ المرسلين أي: خبرهم في القرآن، وكيف أنجيناهم ودمرنا قومهم.
قوله: وإن كان كبر عليك إعراضهم أي: عظم عليك وشق أن أعرضوا عن الإيمان بك وبالقرآن.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على إيمان قومه أشد الحرص، وكانوا إذا سألوه آية أراد أن يريهم الله ذلك طمعا في إيمانهم، فقال الله عز وجل: فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض وهو السرب له مخلص إلى مكان آخر، أو سلما في السماء فتأتيهم بآية يقول الله تعالى: إن استطعت أن تغوص في الأرض، أو ترقى في السماء فتأتي قومك بآية فافعل.
قال أعلم الله أنه بشر لا يقدر على الإتيان بالآيات، وفي تعجيزه عن الإتيان بما سألوا أمر له بالصبر إلى أن يدخل وقت العقاب. الزجاج:
قوله: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى أخبر الله تعالى أنهم إنما تركوا الإيمان بمشيئة الله، ونافذ قضائه فيهم، ولو شاء الله لاجتمعوا على الإيمان، كما قال: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا .
قوله: فلا تكونن من الجاهلين فإنه يؤمن بك بعضهم دون بعض، وإنهم لا يجتمعون على الهدى، ثم ذكر من يؤمن، فقال: [ ص: 267 ] إنما يستجيب الذين يسمعون قال مجاهد، يعني المؤمنين الذين يسمعون الذكر فينتفعون به، وقال وقتادة: يعني الذين يسمعون سماع قابلين. الزجاج:
والموتى يبعثهم الله يعني: الكفار، يقول الله سبحانه وتعالى: إنما يستجيب للحق المؤمنون، فأما الموتى وهم الكفار فإن الله يبعثهم في الآخرة ثم إليه يرجعون يرجعون فيجزيهم بأعمالهم.