الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين  قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين  قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين  وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين  وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون  وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون  ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين

                                                                                                                                                                                                                                      4 قوله: قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله يعني: الأصنام، نهيت عن عبادتها، قل لا أتبع أهواءكم قال ابن عباس: يريد: دينكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: أي: إنما عبدتموها على طريق الهوى، لا على طريق البينة والبرهان، فأنا لا أتبعكم على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قد ضللت إذا إن عبدتها وما أنا من المهتدين الذين سلكوا سبيل الهدى.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل إني على بينة من ربي البينة: الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس: يريد: على يقين من ربي، وقال الزجاج: أنا على أمر بين لا متبع لهوى.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذبتم به أي: بالبيان الذي أتيتكم به وهو القرآن، والبينة والبيان بمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      ما عندي ما تستعجلون [ ص: 279 ] به قال ابن عباس، والحسن: يعني العذاب، كانوا يقولون: يا محمد ائتنا بالذي تعدنا، كقوله: ويستعجلونك بالعذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      إن الحكم إلا لله ما الحكم الذي يفصل به بين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب إلا لله، يقص الحق أي: يقول الحق، ومعناه: إن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق، وقرئ: يقضي الحق ومعناه: يقضي القضاء الحق.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو خير الفاصلين خير من يفصل بين الحق والباطل.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قل لو أن عندي ما تستعجلون به قال ابن عباس: يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل: لو أن عندي ما تستعجلونه به من العذاب لم أمهلكم ساعة، وهو قوله: لقضي الأمر بيني وبينكم أي: لو كان الأمر بيدي لأنبأتكم بما تستعجلون به من العذاب ولفصل الأمر بيني وبينكم، والله أعلم بالظالمين يعني: أنتم ظلمتم إذ كذبتموني بعد علمكم بصدقي وأمانتي، والله أعلم بكم إن شاء عاجلكم بالعقوبة، وإن شاء أخرها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو قال ابن عباس، والضحاك، ومقاتل، والحسن، والسدي: مفاتح الغيب: خزائن الغيب.

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد، [ ص: 280 ] حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله   " رواه البخاري، عن محمد، عن سفيان وقوله: ويعلم ما في البر والبحر ، قال مجاهد: البر: القفار، والبحر: كل قرية فيها ماء، لا يحدث فيهما شيء إلا بعلم الله، وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ، قال الزجاج: المعنى: أنه يعلمها ساقطة وثابتة، كما تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه، ليس تأويله إلا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولا حبة في ظلمات الأرض يعني: في الثرى تحت الأرض.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا رطب ولا يابس قال ابن عباس: يريد: ما ينبت وما لا ينبت.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا في كتاب مبين قال الزجاج: يجوز أن يكون الله أثبت ذلك في كتاب من قبل أن يخلق الخلق، كما قال: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فأعلم الله أنه أثبت ما خلق من خلقه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 281 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، أخبرنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل، حدثني حمويه بن الحسين الطويل، حدثني أحمد بن الخليل البغدادي، حدثنا يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من زرع على الأرض، ولا ثمار على أشجار، إلا عليها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا رزق فلان ابن فلان   "، وذلك قول الله عز وجل في محكم كتابه وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين قوله: وهو الذي يتوفاكم بالليل قال ابن عباس: يقبض أرواحكم في منامكم، ويعلم ما جرحتم ما كسبتم من العمل بالنهار ثم يبعثكم فيه يرد إليكم أرواحكم.

                                                                                                                                                                                                                                      قال قتادة: البعث هاهنا: اليقظة.

                                                                                                                                                                                                                                      ليقضى أجل مسمى أي: أعماركم المكتوبة، قال السدي: يعني: أجل الحياة إلى الموت، ثم إليه مرجعكم بعد الموت، ثم ينبئكم بما كنتم تعملون يخبركم بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو القاهر فوق عباده تقدم تفسيره، ويرسل عليكم حفظة قال ابن عباس: من الملائكة يحصون أعمالكم، كقوله: وإن عليكم لحافظين .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: يحفظون يابن آدم رزقك وعملك وأجلك، فإذا وفيت ذلك قبضت إلى ربك.

                                                                                                                                                                                                                                      حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا يعني: أعوان ملك الموت، وهم لا يفرطون لا يضيعون ولا يغفلون ولا يتوانون. . ثم ردوا إلى الله يعني: العباد يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق: الذي يتولى أمورهم ألا له [ ص: 282 ] الحكم أي: القضاء فيهم، وهو أسرع الحاسبين إذا حاسب فحسابه سريع، كقوله: والله سريع الحساب وقد مضى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية