قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين قل لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والله أعلم بالظالمين وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين
4 قوله: قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله يعني: الأصنام، نهيت عن عبادتها، قل لا أتبع أهواءكم قال يريد: دينكم. ابن عباس:
قال أي: إنما عبدتموها على طريق الهوى، لا على طريق البينة والبرهان، فأنا لا أتبعكم على ذلك. الزجاج:
قد ضللت إذا إن عبدتها وما أنا من المهتدين الذين سلكوا سبيل الهدى.
قوله: قل إني على بينة من ربي البينة: الدلالة التي تفصل بين الحق والباطل.
قال يريد: على يقين من ربي، وقال ابن عباس: أنا على أمر بين لا متبع لهوى. الزجاج:
وكذبتم به أي: بالبيان الذي أتيتكم به وهو القرآن، والبينة والبيان بمعنى واحد.
ما عندي ما تستعجلون [ ص: 279 ] به قال ابن عباس، يعني العذاب، كانوا يقولون: يا والحسن: محمد ائتنا بالذي تعدنا، كقوله: ويستعجلونك بالعذاب .
إن الحكم إلا لله ما الحكم الذي يفصل به بين المختلفين بإيجاب الثواب والعقاب إلا لله، يقص الحق أي: يقول الحق، ومعناه: إن جميع ما أنبأ به وأمر به فهو من أقاصيص الحق، وقرئ: يقضي الحق ومعناه: يقضي القضاء الحق.
وهو خير الفاصلين خير من يفصل بين الحق والباطل.
قوله: قل لو أن عندي ما تستعجلون به قال يقول ابن عباس: لمحمد صلى الله عليه وسلم: قل: لو أن عندي ما تستعجلونه به من العذاب لم أمهلكم ساعة، وهو قوله: لقضي الأمر بيني وبينكم أي: لو كان الأمر بيدي لأنبأتكم بما تستعجلون به من العذاب ولفصل الأمر بيني وبينكم، والله أعلم بالظالمين يعني: أنتم ظلمتم إذ كذبتموني بعد علمكم بصدقي وأمانتي، والله أعلم بكم إن شاء عاجلكم بالعقوبة، وإن شاء أخرها.
قوله: وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو قال ابن عباس، والضحاك، ومقاتل، والحسن، مفاتح الغيب: خزائن الغيب. والسدي:
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو عمرو بن مطر، أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد، [ ص: 280 ] حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابن عمر، مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله: لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا تعلم نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله " رواه عن البخاري، محمد، عن سفيان وقوله: ويعلم ما في البر والبحر ، قال البر: القفار، والبحر: كل قرية فيها ماء، لا يحدث فيهما شيء إلا بعلم الله، مجاهد: وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ، قال المعنى: أنه يعلمها ساقطة وثابتة، كما تقول: ما يجيئك أحد إلا وأنا أعرفه، ليس تأويله إلا وأنا أعرفه في حال مجيئه فقط. الزجاج:
وقوله: ولا حبة في ظلمات الأرض يعني: في الثرى تحت الأرض.
ولا رطب ولا يابس قال يريد: ما ينبت وما لا ينبت. ابن عباس:
إلا في كتاب مبين قال يجوز أن يكون الله أثبت ذلك في كتاب من قبل أن يخلق الخلق، كما قال: الزجاج: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فأعلم الله أنه أثبت ما خلق من خلقه.
[ ص: 281 ] .
أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن حمدان العدل، أخبرنا القاسم بن غانم بن حمويه الطويل، حدثني حمويه بن الحسين الطويل، حدثني أحمد بن الخليل البغدادي، حدثنا عن يزيد بن هارون، محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وذلك قول الله عز وجل في محكم كتابه ما من زرع على الأرض، ولا ثمار على أشجار، إلا عليها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا رزق فلان ابن فلان وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين قوله: وهو الذي يتوفاكم بالليل قال يقبض أرواحكم في منامكم، ابن عباس: ويعلم ما جرحتم ما كسبتم من العمل بالنهار ثم يبعثكم فيه يرد إليكم أرواحكم.
قال قتادة: البعث هاهنا: اليقظة.
ليقضى أجل مسمى أي: أعماركم المكتوبة، قال يعني: أجل الحياة إلى الموت، السدي: ثم إليه مرجعكم بعد الموت، ثم ينبئكم بما كنتم تعملون يخبركم بأعمالكم التي عملتموها في الدنيا.
وهو القاهر فوق عباده تقدم تفسيره، ويرسل عليكم حفظة قال من الملائكة يحصون أعمالكم، كقوله: ابن عباس: وإن عليكم لحافظين .
وقال يحفظون يابن آدم رزقك وعملك وأجلك، فإذا وفيت ذلك قبضت إلى ربك. قتادة:
حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا يعني: أعوان ملك الموت، وهم لا يفرطون لا يضيعون ولا يغفلون ولا يتوانون. . ثم ردوا إلى الله يعني: العباد يردون بالموت إلى الله مولاهم الحق: الذي يتولى أمورهم ألا له [ ص: 282 ] الحكم أي: القضاء فيهم، وهو أسرع الحاسبين إذا حاسب فحسابه سريع، كقوله: والله سريع الحساب وقد مضى.