بسم الله الرحمن الرحيم.
المص كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فلنسألن الذين [ ص: 348 ] أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون
المص قال "أنا الله أعلم وأفصل" . ابن عباس:
كتاب أي: هذا كتاب أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه قال ضيق. ابن عباس:
والمعنى: لا يضق صدرك بالإبلاغ وتأدية ما أرسلت به.
وقوله: لتنذر به قال اللام في لتنذر، منظوم بقوله: أنزل على تقدير: كتاب أنزل إليك لتنذر به، وذكرى للمؤمنين: ومواعظ للمصدقين. الفراء:
اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم اتبعوا القرآن، قال يابن آدم، أمرت باتباع كتاب الله، والله ما نزلت آية إلا ويجب أن تعلم فيم أنزلت، وما معناها. الحسن:
ولا تتبعوا من دونه أولياء لا تتخذوا غيره أولياء تطيعونهم في معصية الله، قليلا ما تذكرون قليلا يا معشر المشركين، تذكركم واتعاظكم، والأصل: تتذكرون، فأدغمت التاء في الذال، وحذف حمزة التاء فخفف الذال، وقرأ ابن عامر: يتذكرون، بياء وتاء، أي: قليلا ما يتذكرون هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب.
ثم خوفهم بإهلاك من كذب قبلهم فقال: وكم من قرية أهلكناها يعني: أهلكنا أهلها، فحذف المضاف، فجاءها بأسنا بياتا عذابنا ليلا، يقال: بات يبيت بياتا وبيته.
والبيات هنا مصدر يراد به الصفة، أي: جاءهم [ ص: 349 ] بأسنا بائتين نائمين، أو هم قائلون القيلولة: الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر، وإن لم يكن مع ذلك نوم، قال "جاءهم بأسنا مرة ليلا ومرة نهارا، فاعتبروا بهلاك من شئتم منهم" . الزجاج:
ومعنى الآية: إنهم جاءهم بأسنا وهم غير متوقعين له، إما ليلا وهم نائمون، أو نهارا وهم قائلون.
فما كان دعواهم أي: دعاؤهم وتضرعهم، والدعوى: اسم يقوم مقام الادعاء والدعاء، حكى سيبويه: "اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين" .
وقوله: إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين : 4 قال يقول لم يكن قولهم أن جاءهم العذاب، إلا الاعتراف بالظلم، والإقرار بالإساءة. ابن الأنباري:
قوله: فلنسألن الذين أرسل إليهم قال الذين أرسل إليهم: الأمم الذين أتاهم الرسل يسألون هل بلغكم الرسل ما أرسلوا به إليكم. الضحاك:
ولنسألن المرسلين يعني: الأنبياء، هل بلغتم قومكم ما أرسلتم به؟ وماذا أجابكم قومكم؟ وقال السدي: تسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرسل؟ ويسأل الرسل هل بلغوا ما أرسلوا به.
فلنقصن عليهم بعلم أي: لنخبرنهم بما عملوا منا، وما كنا غائبين عن الرسل والأمم، وما بلغت، وما رد عليهم قومهم.
قوله تعالى: والوزن يومئذ الحق يعني يوم السؤال.
[ ص: 350 ] وعامة المفسرين: على أن المراد بهذا الوزن وزن أعمال العباد.
قال توزن الحسنات والسيئات في ميزان له لسان وكفتان، فأما المؤمن فيؤتى بعمله في أحسن صورة، فيوضع في كفة الميزان، فتثقل حسناته على سيئاته، فذلك قوله: ابن عباس: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ، وهذا كقوله: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة الآية، وإنما قال موازينه على الجمع; لأن من في معنى الجمع، ألا ترى أنه قال: فأولئك هم المفلحون بالجمع، وبعض المفسرين يذهب إلى أن الوزن يعود إلى الصحف التي فيها أعمال العباد.
قوله: ومن خفت موازينه قال يؤتى بعمل الكافر في أقبح صورة، فيوضع في كفة الميزان، فيخف وزنه، فذلك قوله: ابن عباس: فأولئك الذين خسروا أنفسهم أي: صاروا إلى العذاب بما كانوا بآياتنا يظلمون بجحودهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا منصور بن عبد الوهاب البزاز، أنا أبو عمرو محمد بن أحمد الحيري، أنا أحمد بن محمد بن بشار، أنا أنا أبي، أنا عمر بن محمد، عصام بن طليق، عن داود، عن عن الشعبي، مسروق، عن رضي الله عنها، [ ص: 351 ] قالت: عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما في حجري، فقطرت دموعي على خده فاستيقظ، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: ذكرت القيامة وهولها، فهل تذكرون أهاليكم يا رسول الله؟ قال: "أما في ثلاثة مواطن لا يذكر أحد فيها أحدا إلا نفسه، عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل، وعند الصحف حتى يعلم أيأخذ صحيفته بيمينه أم بشماله، وعند الصراط حتى يجاوزه" وقال رضي الله عنه: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة، باتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينهم يوم القيامة، باتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف. أبو بكر الصديق