ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين قال رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم
قوله: ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا الأسف: الشديد الغضب، يقال: آسفني فأسفت.
أي: أغضبني، ومنه قوله: فلما آسفونا انتقمنا منهم ، وقال السدي، الأسف: الحزين، قال والكلبي: موسى لقومه: بئسما خلفتموني من بعدي يقال: خلفه بما يكره إذا عمل خلفه ذلك العمل، قال يريد اتخاذهم العجل وكفرهم بالله. ابن عباس:
وقوله: أعجلتم أمر ربكم قال يعني: ميعاد ربكم، فلم تصبروا له. ابن عباس:
ونحو هذا قال وعد ربكم الذي وعدتم من الأربعين ليلة. الحسن:
وقال أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر من ربكم. الكلبي:
وألقى الألواح: التي فيها التوراة.
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابن عباس، "ليس الخبر كالمعاينة، إن الله قد أخبر موسى أن قومه قد ضلوا، فلم يكسر الألواح، فلما عاين ذلك كسر الألواح" .
وقوله: وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال بذؤابة أخيه وشعره بيده اليمنى ولحيته باليسرى; لأنه توهم أنه عصى الله بمقامه فيما بينهم وتركه اللحوق به، فقال له الكلبي: هارون: يا ابن أم أراد: أمي، فحذف الياء، وأبقى الكسرة دليلا على المحذوف كما قالوا: يا غلام أقبل.
ومن فتح [ ص: 413 ] الميم جعل ابن وأم شيئا واحدا، نحو خمسة عشر، وقوله: إن القوم استضعفوني قال استذلوني وقهروني وكادوا وهموا أن يقتلوني، الكلبي: فلا تشمت بي الأعداء يعني أصحاب العجل، ولا تجعلني في موجدتك علي مع القوم الظالمين الذين عبدوا العجل.
قوله: قال رب اغفر لي أي: ما صنعت إلى أخي من الإنكار عليه، وهو برئ مما يوجب العتب عليه، ولأخي إن قصر في الإنكار على عبدة العجل، وأدخلنا في رحمتك قال في جنتك، عطاء: وأنت أرحم الراحمين .
أخبرنا محمد بن عبد العزيز الفقيه، أنا محمد بن الفضل السلمي، أنا أحمد بن حمدون بن رستم، نا عبد الرحمن بن محمد ابن بنت المبارك بن فضالة، نا عثمان بن عبد الله الشامي، نا سلمة بن سليمان البصري، حدثني عن محمد بن المنكدر، عبد الله بن عمر، قال: " الحديبية فنزل على ماء لقوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من القوم؟ فقالوا: نحن المسلمون وإذا امرأة تحطب تنورا لها، فلما ارتفع الوهج نحت بابن لها عن وهجه، فأتتنا، فقالت: أفيكم محمد رسول الله؟ قلنا لها: نعم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تزعم أنك رسول الله؟ فقال: بلى، قالت: ألست تزعم أن الله أرحم الراحمين، قال لها: بلى، قالت: أي رسول الله أو تزعم أن الله أرحم الراحمين أفلست تزعم أن الله أرحم بالعباد من الأمهات بأولادهن؟ قال لها: بلى، قالت: أو لست تزعم هذا؟ قال: بلى، قالت: فإن الوالدة لا تطيب نفسها أن تلقي ولدها في النار، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخضلت لحيته، ثم قال: إن الله لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد الذي يتمرد على ربه، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله". رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غداة
قوله: إن الذين اتخذوا العجل يعني: اليهود الذين كانوا في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، عيرهم بصنع آبائهم، ونسبه إليهم.
قوله: سينالهم غضب من ربهم عذاب في الآخرة، وذلة في الحياة الدنيا يعني: الجزية، وقال يعني ما أصاب قريظة والنضير من [ ص: 414 ] الجلاء والنفي. عطاء:
وكذلك نجزي المفترين قال كذلك أعاقب من اتخذ إلها من دوني. ابن عباس:
وقال هذا لكل مبتدع ومفتر إلى يوم القيامة. سفيان بن عيينة:
والذين عملوا السيئات قال يريد: الشرك. ابن عباس:
ثم تابوا من بعدها أي: رجعوا عنها وتركوها، إن ربك من بعدها لغفور لهم، رحيم بهم.