الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم  وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم  إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير  والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير  والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم  والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا صدقا وإسلاما، يؤتكم خيرا مما أخذ منكم من الفداء، نزلت في العباس، وكان أسر يوم بدر ومعه عشرون أوقية من الذهب كان خرج بها ليطعم الناس، وكان أحد العشرة الذين ضمنوا طعام أهل بدر، ولم يكن بلغته النوبة حتى أسر، فأخذت معه، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، قال: فكلمته أن يجعل ذلك في فدائي، فأبى علي، وقال: " أما شيء خرجت به تستعين به علينا فلا "، قال: فأعطاني الله خيرا مما أخذ مني، عشرين عبدا كلهم يضرب بمال كثير، وأدناهم يضرب عشرين ألف درهم مكان العشرين أوقية، وأنا أرجو المغفرة من ربي.

                                                                                                                                                                                                                                      وهو قوله: والله غفور رحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وإن يريدوا خيانتك الآية: نزلت في العباس وأصحابه من الأسارى، قال ابن جريج: أراد بالخيانة هاهنا الخيانة في الدين وهو الكفر، يعني: إن كفروا بك، فقد خانوا الله من قبل أي: كفروا بالله، فأمكن منهم المؤمنين ببدر حتى قتلوهم وأسروهم، وهذا تهديد لهم إن عادوا إلى القتال ومعاداة المؤمنين، والله عليم بخيانة إن خانوها، حكيم في تدبيره عليهم ومجازاتهم إياهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يعني: المهاجرين الذين هجروا ديارهم وأموالهم [ ص: 474 ] وقومهم في نصرة الدين، والذين آووا ونصروا يعني: الأنصار أسكنوا المهاجرين ديارهم ونصروهم على أعدائهم، أولئك بعضهم أولياء بعض قال المفسرون: يعني في الميراث كانوا يتوارثون بالهجرة والنصرة، وكان الذي آمن ولم يهاجر لا يرث قريبه المهاجر، وهو قوله: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ، وقرئ من ولايتهم بكسر الواو وفتحه، وهما لغتان من الولي والوالي كالوكالة والوكالة وبابهما، والفتح أجود لأنه أكثر في الدين، والكسر في السلطان، قال ابن الأنباري: كان الله تعالى تعبدهم في أول الهجرة بأن لا يرث المسلمين المهاجرين إخوانهم الذين لم يهاجروا، ولا يرثون هم إخوانهم، ثم نسخ ذلك بقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن استنصروكم في الدين أي: وإن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فلا تخذلوهم، وانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق عهد فلا تغدروا ولا تنقضوا العهد.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض حض الله المؤمنين على التواصل فجعل المهاجرين والأنصار أهل ولايته في الدين دون من سواهم، وجعل الكفار بعضهم أولياء بعض، ثم قال: إلا تفعلوه قال ابن عباس: إلا تأخذوا في الميراث بما أمرتكم به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن جريج: يقول: إلا تعاونوا وتناصروا في الدين.

                                                                                                                                                                                                                                      تكن فتنة في الأرض يعني: الشرك، وفساد كبير وذلك أنه إذا لم يتول المؤمن المؤمن توليا يدعو غيره ممن لا يكون مؤمنا إلى مثل ذلك، ولم يتبرأ من الكافر بما يصرفه عن كفره، أدى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين، فإذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر أقاربه المسلمين كان ذلك أدعى إلى الإسلام، وترك الكفر لأقاربه الكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والذين آمنوا، إلى قوله: هم المؤمنون حقا أي: هم الذين حققوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة خلاف من أقام بدار الشرك، والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم قال ابن عباس: يريد: الذين هاجروا بعد الحديبية، وهي الهجرة الثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض قال جماعة المفسرين: هذا نسخ للميراث بالهجرة، ورد للمواريث إلى أولي الأرحام، وذلك أنهم كانوا لا يتوارثون بالرحم، إنما يتوارثون بالهجرة، كان الأخوان إذا أسلما فهاجر أحدهما فمات لم يرثه الذي لم يهاجر حتى فتحت مكة فرد الله الميراث إلى أولي الأرحام.

                                                                                                                                                                                                                                      روى عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم آخا بين أصحابه فكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض  ، فتوارثوا بالنسب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: في كتاب الله قال الزجاج: في حكم الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يعني بالكتاب هاهنا القرآن، أي: هم في فرض كتاب الله أولى بأرحامهم، إن الله بكل شيء مما خلق وفرض وحد، عليم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية