إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
قوله تعالى: (إن الذين آمنوا) أي: بالأنبياء الماضين ولم يؤمنوا بك، وقيل: أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم، والذين هادوا أي: دخلوا في دين اليهودية، كقوله: وعلى الذين هادوا حرمنا ، واختلفوا فقال بعضهم: هو من الهود، وهو التوبة، ولما تابوا من عبادة العجل لزمهم هذا الاسم، يقال: هاد يهود، إذا تاب، ومنه قوله تعالى: لم سموا اليهود؟ إنا هدنا إليك ، وقيل: هو من الهيد، وهو الحركة، وذلك أنهم كانوا يتحركون عند قراءة التوراة فلزمهم هذا الاسم، والنصارى واحدهم: نصري، مثل: بعير مهري، وإبل مهارى، وسموا نصارى لأنهم كانوا من قرية يقال لها: نصرة.
والصابئين يقال: صبأ الرجل في دينه يصبأ صبوءا، إذا كان صابئا، وهو الخارج من دين إلى دين، وهم قوم كانوا يعبدون النجوم ويعظمونها.
وقال : هم قوم كانوا يعبدون الملائكة، وقال قتادة : هم قبيلة من اليهود والمجوس لا دين لهم. مجاهد
[ ص: 150 ] وقرأ نافع : (الصابون)، و(الصابين) بترك الهمزة، ولا يجيز سيبويه ترك الهمز على هذا الحد إلا في الشعر، وأجازه وغيره، فهذه القراءة على قول من أجاز ذلك، والقراءة متبعة. أبو زيد
وقوله تعالى: (من آمن بالله) أي: من جملة هؤلاء الأصناف المذكورة في هذه الآية، من آمن إيمانا حقيقيا، وهو أن يؤمن بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
والدليل على أنه أراد به الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وعمل صالحا) وقد قام الدليل على أن من لا يؤمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يكون عمله صالحا.
وقوله تعالى: (فلهم أجرهم) جمع "الكناية" بعد أن وحد الفعل في قوله: (آمن)؛ لأن (من) يصلح للواحد والجميع والمذكر والمؤنث، فالفعل يعود إلى لفظ (من)، وهو واحد مذكر، والكناية تعود إلى معنى من، ومثله في القرآن كثير، قال الله تعالى: ومنهم من يستمع إليك ، وقال في موضع آخر: ومنهم من يستمعون إليك ، والمعنى: لا ينالهم خوف ولا يصيبهم حزن في الآخرة، لأنهم يصيرون إلى النعيم المقيم، والأمن الدائم.