ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين
قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت "العلم" هاهنا بمعنى المعرفة، كقوله [ ص: 152 ] تعالى: لا تعلمونهم الله يعلمهم ، و الذين اعتدوا منكم في السبت هم الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت.
كانوا أمروا ألا يصيدوا السمك في السبت، فحبسوها في السبت، وأخذوها في الأحد، فعدوا في السبت؛ لأن صيدها: منعها من التصرف.
وذكر الله تعالى قصتهم في سورة الأعراف في قوله تعالى: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت 4 الآية.
قال : "السبت": القطع، وسمي السبت من الأيام سبتا؛ لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه، وقطع فيه بعض الخلق، وخلق الأرض، ويقال: أمر فيه بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها. ابن الأنباري
وقوله تعالى: فقلنا لهم كونوا قردة أي: كونوا بتكويننا إياكم وتغييرنا خلقكم، وهذا أمر حتم ليس للمأمور فيه اكتساب، ولا يقدر على دفعه عن نفسه، والقردة: جمع قرد، ويقال: قرد وثلاثة أقردة وقرود، وقردة كثيرة.
وقوله تعالى: (خاسئين) "الخسء": الطرد والإبعاد، يقال: خسأته فخسأ وانخسأ، فهو واقع ومطاوع.
قال ، الفراء : يقال: خسأته خسئا، فخسأ خسوءا، مثل: رجعته رجعا فرجع رجوعا، وتقدير الآية: كونوا خاسئين قردة؛ لأنه لولا التقديم والتأخير لكان قردة خاسئة. والكسائي
[ ص: 153 ] يخوف الله تعالى اليهود بهذه الآية في تركهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويذكرهم ما أصاب من المسخ للذين اعتدوا في السبت، وهو:
قوله تعالى: فجعلناها نكالا الآية، الكناية راجعة إلى القردة. وقال : الكناية راجعة إلى المسخة؛ لأن معنى (كونوا قردة) : مسخناهم قردة، فوقعت الكناية عن الكلام المتقدم. الفراء
و "النكال": اسم لما جعلته نكالا لغيره، إذا رآه خاف أن يعمل عمله، من قولهم: نكل عن الأمر ينكل نكولا، إذا جبن عنه.
وقوله تعالى: لما بين يديها قال : للأمم التي تراها. الزجاج وما خلفها ما يكون بعدها، فما في قوله: لما بين يديها وما خلفها عبارة عن: الأمم، وتكون بمعنى "من".
وهذا قول ، في رواية ابن عباس ، قال: يريد: نكالا للخلق الذين كانوا معهم، وما خلفها ولجميع من يأتي إلى يوم القيامة، وقال -في رواية عطاء -: يقول: جعلناها عقوبة (لما بين يديها) لما مضى من ذنوبهم، وما خلفها يعني: من بعدهم من بني إسرائيل، أن يستنوا بسنتهم ويعملوا بعملهم، و"ما" الثانية تكون بمعنى "من". الكلبي
وروى محمد بن الحصين ، عن ، قال: يعني: ما بين يديها من القرى وما خلفها: من القرى، ويعتبرون بهم، فلا يعملون عملهم. ابن عباس
(وموعظة للمتقين): نهيا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتجاوزوا ما حد لهم.