الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من [ ص: 154 ] الجاهلين  قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون  قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون  قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لا شية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون  فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون  ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قال المفسرون: كان في بني إسرائيل رجل كثير المال، وله ابن عم مسكين لا وارث له غيره، فلما طال عليه موته قتله ليرثه، ولما قتله حمله من قرية إلى قرية أخرى، ثم أصبح يطلب بثأره ودمه، واشتبه أمر القتيل على موسى ، ووقع الخلاف فيه، فسألوا موسى أن يدعو الله ليبين لهم ذلك، فسأل موسى ربه، فأمره بذبح بقرة، فقال موسى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا أي: أتستهزئ بنا حين نسألك عن القتيل وتأمرنا بذبح البقرة؟ وإنما قالوا ذلك لتباعد الأمرين في الظاهر، قال موسى ، أعوذ بالله أي: أمتنع بالله، أن أكون من الجاهلين أي: من المستهزئين بالمؤمنين، ولما علم القوم أن ذبح البقرة عزم من الله عز وجل سألوه الوصف، ولو أنهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم، ولكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، وقالوا لموسى ، ادع لنا ربك يبين لنا ما هي يقال: بين الشيء وأبانه، إذا أزال الإشكال عنه، والمعنى: يظهر لنا ما تلك البقرة التي نذبحها لأجل القتيل، وأي شيء هي؟ قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض قال الفراء : هي الهرمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الكسائي : الفارض: الكبيرة العظيمة، وقد فرضت تفرض فروضا، (ولا بكر) [ ص: 155 ] يقال: بقرة بكر، أي: فتية لا تحمل، قال الزجاج : أي: ليست بكبيرة ولا صغيرة. قال: وارتفع "فارض" بإضمار هي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (عوان) قال أبو الهيثم : "العوان": النصف التي بين الفارض والبكر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو زيد : "بقرة عوان": بين المسنة والشابة، وقد عانت تعون عونا إذا صارت عوانا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الأعرابي : "العون من الحيوان": السن بين السنين، لا صغير ولا كبير، يقال في الجمع: عون، ويقال: فرس عوان، وخيل عون.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن عباس : عوان: بين الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما يكون من البقر وأحسن ما يكون. وقال مجاهد : وعوان: وسط، قد ولدت بطنا أو بطنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (بين ذلك) أي: بين الهرم والشاب، وبين الفروض والبكارة. وقوله تعالى: فافعلوا ما تؤمرون أي: من ذبح البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها يبين لنا أي شيء لونها؟ قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها ، فاقع: مبالغة في نعت الأصفر، قال ابن عباس : شديد الصفرة. قال عدي بن زيد :


                                                                                                                                                                                                                                      وإني لأسقى الشرب صفراء فاقعا كأن زكي المسك فيها يفتق



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 156 ] يقال: فقع يفقع فقوعا، إذا اشتدت صفرته.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: (تسر الناظرين) أي: تعجبهم بحسنها وصفاء لونها؛ لأن العين تسر وتولع بالنظر إلى الشيء الحسن.

                                                                                                                                                                                                                                      قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي أسائمة أم عاملة، إن البقر تشابه علينا اشتبه وأشكل، وذكر الفعل، والبقر: جمع بقرة، لتذكير اللفظ، كقوله: نخل منقعر ، وكل جمع حروفه أقل من حروف واحده جاز تذكيره، مثل: بقر، ونخل، وسحاب، فمن ذكر ذهب إلى لفظ الجمع، ولفظ الجمع مذكر، ومن أنث ذهب إلى لفظ الجماعة، قال الله تعالى: يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ، وقال: والنخل باسقات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية