الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين  فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين  

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت "العلم" هاهنا بمعنى المعرفة، كقوله [ ص: 152 ] تعالى: لا تعلمونهم الله يعلمهم ، و الذين اعتدوا منكم في السبت هم الذين جاوزوا ما أمروا به من ترك الصيد يوم السبت.

                                                                                                                                                                                                                                      كانوا أمروا ألا يصيدوا السمك في السبت، فحبسوها في السبت، وأخذوها في الأحد، فعدوا في السبت؛ لأن صيدها: منعها من التصرف.

                                                                                                                                                                                                                                      وذكر الله تعالى قصتهم في سورة الأعراف في قوله تعالى: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت 4 الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأنباري : "السبت": القطع، وسمي السبت من الأيام سبتا؛ لأن الله تعالى ابتدأ الخلق فيه، وقطع فيه بعض الخلق، وخلق الأرض، ويقال: أمر فيه بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: فقلنا لهم كونوا قردة أي: كونوا بتكويننا إياكم وتغييرنا خلقكم، وهذا أمر حتم ليس للمأمور فيه اكتساب، ولا يقدر على دفعه عن نفسه، والقردة: جمع قرد، ويقال: قرد وثلاثة أقردة وقرود، وقردة كثيرة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: (خاسئين) "الخسء": الطرد والإبعاد، يقال: خسأته فخسأ وانخسأ، فهو واقع ومطاوع.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الفراء ، والكسائي : يقال: خسأته خسئا، فخسأ خسوءا، مثل: رجعته رجعا فرجع رجوعا، وتقدير الآية: كونوا خاسئين قردة؛ لأنه لولا التقديم والتأخير لكان قردة خاسئة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 153 ] يخوف الله تعالى اليهود بهذه الآية في تركهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويذكرهم ما أصاب من المسخ للذين اعتدوا في السبت، وهو:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فجعلناها نكالا الآية، الكناية راجعة إلى القردة. وقال الفراء : الكناية راجعة إلى المسخة؛ لأن معنى (كونوا قردة) : مسخناهم قردة، فوقعت الكناية عن الكلام المتقدم.

                                                                                                                                                                                                                                      و "النكال": اسم لما جعلته نكالا لغيره، إذا رآه خاف أن يعمل عمله، من قولهم: نكل عن الأمر ينكل نكولا، إذا جبن عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: لما بين يديها قال الزجاج : للأمم التي تراها. وما خلفها ما يكون بعدها، فما في قوله: لما بين يديها وما خلفها عبارة عن: الأمم، وتكون بمعنى "من".

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا قول ابن عباس ، في رواية عطاء ، قال: يريد: نكالا للخلق الذين كانوا معهم، وما خلفها ولجميع من يأتي إلى يوم القيامة، وقال -في رواية الكلبي -: يقول: جعلناها عقوبة (لما بين يديها) لما مضى من ذنوبهم، وما خلفها يعني: من بعدهم من بني إسرائيل، أن يستنوا بسنتهم ويعملوا بعملهم، و"ما" الثانية تكون بمعنى "من".

                                                                                                                                                                                                                                      وروى محمد بن الحصين ، عن ابن عباس ، قال: يعني: ما بين يديها من القرى وما خلفها: من القرى، ويعتبرون بهم، فلا يعملون عملهم.

                                                                                                                                                                                                                                      (وموعظة للمتقين): نهيا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتجاوزوا ما حد لهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية