قوله تعالى: ولله المشرق والمغرب الآية، ، في رواية ابن عباس : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى علي بن أبي طلحة الوالبي المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، ففرحت اليهود، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام، فلما صرفه الله إليها عيرت اليهود المؤمنين، فأنزل الله: فأينما تولوا فثم وجه الله . قال
والمعنى: فأينما تولوا وجوهكم، فحذف المفعول للعلم به.
ومعنى قوله: فثم وجه الله: فهناك قبلة الله، "والوجه" والجهة، والجهة: القبلة، ومثله: الوزن والزنة، والوعد والعدة، والعرب تسمي القصد الذي يتوجه إليه: وجها، قال الشاعر:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
معناه: إليه القصد بالعبادة.
وقوله تعالى: إن الله واسع عليم أي: واسع الرحمة، واسع الشريعة بالترخيص لهم والتوسعة على عباده في دينهم، لا يضطرهم إلى ما يعجزون عن أدائه.
أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد المنصوري ، أخبرنا ، حدثنا علي بن عمر الحافظ أبو محمد [ ص: 195 ] إسماعيل بن علي ، قال: حدثنا الحسن بن علي بن شبيب ، حدثنا أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري ، قال: وجدت في كتاب أبي: حدثنا عبد الملك العرزمي ، حدثنا ، عن عطاء بن أبي رباح جابر ، قال: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة، فقالت طائفة منا: قد عرفنا القبلة، هي هاهنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطوطا، وقال بعضنا القبلة هاهنا قبل الجنوب، فصلوا، وخطوا خطوطا، فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما قفلنا من سفرنا، سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فسكت، فأنزل الله تعالى قوله: وقالوا اتخذ الله ولدا نزلت ردا على اليهود والنصارى والمشركين، فإنهم وصفوا الله تعالى بالولد فقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقال المشركون: الملائكة بنات الله، فنزه الله نفسه عن اتخاذ الولد فقال: "سبحانه" وفي مصاحف الشام قالوا بغير واو؛ لأن هذه الآية مستأنفة غير معطوفة على ما تقدم.
[ ص: 196 ] وقوله: بل أي: ليس الأمر كما زعموا، له ما في السماوات والأرض عبيدا وملكا، كل له قانتون قال ، مجاهد وعطاء ، : مطيعون، والقنوت: الطاعة، والقانت: المطيع لله عز وجل، ومنه قوله تعالى: والسدي أمن هو قانت آناء الليل ، قال : هذا راجع إلى أهل طاعته دون الناس أجمعين، وهو من العموم الذي أريد به الخصوص، وهذا قول ابن عباس مقاتل . والفراء
وقال : هذا في يوم القيامة، تصديقه قوله: السدي وعنت الوجوه للحي القيوم ، وقال أهل المعاني: طاعة الجميع لله تعالى: تكونهم في الخلق عند التكوين؛ إذ قال: كن فكان كما أراده.
بديع السماوات والأرض البديع: الذي يبدع الأشياء، أي: يحدثها مما لم يكن، وبديع: بمعنى مبدع.
قال : أبو إسحاق الزجاج بديع السماوات والأرض : منشئهما على غير مثال سابق، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل له: أبدعت، ولهذا يقال لمن خالف السنة: مبتدع، لأنه أحدث في الإسلام ما لم يسبقه إليه السلف.
قوله: وإذا قضى أمرا أي: قدره وأراد خلقه، فإنما يقول له أي: لذلك الأمر الذي يريد وجوده، وما قدر الله وجوده فهو كالموجود الشاهد، فجاز أن يخاطب.
[ ص: 197 ] وقال : يحتمل أن تكون "اللام" في له: لام الأجل، والتأويل: فإذا قضى أمرا فإنما يقول من أجل إرادته: كن فيكون كقوله تعالى: ابن الأنباري سمعنا مناديا ينادي للإيمان أي: من أجله، وكقوله: وإنه لحب الخير لشديد أي: من أجل حب المال لبخيل. وقوله: كن: المأمور بهذا الأمر لا قدرة له على دفع هذا الأمر، ولا صنع له فيه، والمعنى: كن بتكويننا إياك.
وقوله: فيكون قال ، الفراء ، والكسائي : رفعه من وجهين: أحدهما: العطف على يقول، ومثله والزجاج يوم يأتيهم العذاب فيقول ، والثاني: أن يكون رفعه على الاستئناف، والمعنى: فهو يكون؛ لأن الكلام تم عند قوله: كن ثم قال: فيكون ما أراد الله، قال : وإنه لأحب الوجهين إلي. الفراء
وقرأ ابن عامر (فيكون) بنصب النون، على جواب الأمر بالفاء في ظاهر اللفظ.
وقوله: وقال الذين لا يعلمون قال : هم اليهود. ابن عباس
وقال : هم النصارى. مجاهد
وقال ، الحسن : هم مشركو العرب، قالوا وقتادة لمحمد عليه السلام: لا نؤمن لك حتى يعلمنا الله أنك رسوله، أو حتى تأتينا بمثل الآيات التي أتت بها الرسل، وهو قوله: لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية أي: هلا، تقول: لولا فعلت ما أمرتك بمعنى: هلا فعلت، وقد يقال: "لو ما" بهذا المعنى كقوله تعالى: لو ما تأتينا بالملائكة أي: هلا، وكل ما في القرآن "لولا" يفسر على (هلا) ، غير التي في سورة الصافات فلولا أنه كان من المسبحين 4 .
وقوله: كذلك قال الذين من قبلهم أراد: كفار الأمم الخالية، قال : أعلم الله أن كفرهم في [ ص: 198 ] التعنت بطلب الآيات على اقتراحهم ككفر الذين من قبلهم في قولهم الزجاج لموسى : أرنا الله جهرة وما أشبهه، وفي هذا تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم، قوله: تشابهت قلوبهم أي: أشبه بعضها بعضا في الكفر والقسوة، ومسألة المحال كقوله: يضاهئون قول الذين كفروا من قبل .
قوله قد بينا الآيات لقوم يوقنون يريد أن من أيقن وطلب الحق فقد أتته الآيات والبينات، نحو المسلمين، ومن لم يعاند من علماء اليهود؛ لأن القرآن برهان شاف.