إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم
قوله: إن الذين جاءوا بالإفك يعني: بالكذب على رضي الله عنها، والإفك: أسوأ الكذب، وهو مأخوذ من أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه، والإفك هو الحديث المقلوب عن وجهه، ومعنى القلب في هذا الحديث أن عائشة كانت تستحق الثناء بما كانت عليه من الحصانة وشرف الحسب والنسب لا القذف الذي رموها به، فالذين رموها بالسوء قلبوا الأمر عن وجهه، فهو إفك قبيح، وكذب ظاهر، وكانت قصة الإفك على ما: عائشة
أخبرنا أبو سعد عبد الرحمن بن محمد الرمجاري، أنا الحسن بن عبد الله النحوي بعسكر مكرم، نا محمد بن عبد الرحمن بن صالح النماري، نا نا أبو الربيع الزهراني، عن فليح بن سليمان المدني، عن ابن شهاب الزهري، عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عتبة، عن زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله منه، [ ص: 308 ] قال عائشة، فكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض، وأثبت امتصاصا، ووعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني، وبعض حديثهم يصدق بعضا، رووا: أن الزهري: زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت: عائشة، فأيتهن خرج سهمها خرج بها النبي، صلى الله عليه وسلم، معه، قالت كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ذلك بعد ما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه مسيرنا، حتى فرغ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من غزوة وقفل، ودنونا من عائشة: المدينة، أذن ليلة بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني؛ أقبلت إلى الرحل فلمست صدري، فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني، فحملوا هودجي على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكانت النساء إذ ذاك خفافا، لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، إنما يأكلن العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب، فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعوا إلي، وبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، قد عرس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب علينا الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في.نحر الظهيرة، فهلك من هلك في، فقدمنا وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول، المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، فهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما كان يدخل فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ فذلك يحزنني، ولا أشعر بالسر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع، وهو متبرزنا، ولا نخرج إلا ليلا إلى الليل، وذلك قبل أن يتخذ الكنف، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح، وهي بنت أبي رهم، وأمها بنت صخر بن عامر خالة فأقبلت أنا أبي بكر الصديق، وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلا قد شهد بدرا؟ فقالت: أي هنتاه، أولم تسمعي ما قال؟ قلت: وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ قلت: تأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا أريد حينئذ [ ص: 309 ] أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله، فجئت أبوي، فقلت: يا أمه، ما يتحدث الناس؟ قالت: أي بنية، هوني عليك، فوالله لقل ما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر، إلا كثرن عليها، قال: فقلت: سبحان الله، أوقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، ودعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما وعلي بن أبي طالب فأشار على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود، فقال: يا رسول الله، هم أهلك وما تعلم إلا خيرا، وأما أسامة بن زيد؛ فقال: لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب؛ فقال: يا بريرة، هل رأيت شيئا يريبك من بريرة، قالت عائشة؟ والذي بعثك بالحق، إن رأيت أمرا أغمصه قط عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن، تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله، قالت: فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاستعذر من بريرة: عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي، فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، قالت: فقام وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ولكن حملته الحمية، فقال سعد بن عبادة، لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتلنه ولا تقدر على قتله، فقام وهو ابن عم أسيد بن حضير سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، قائم على المنبر يخفضهم حتى سكتوا وسكت، قالت: وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه شيء في شأني، قالت: فتشهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " أما بعد يا فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، قالت: فلما قضى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كلامه قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت لأمي: أجيبي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: والله لقد عرفت أنكم قد [ ص: 310 ] سمعتم هذا حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، ولئن قلت لكم أني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقونني، ولئن اعترفت لكم، والله يعلم أني منه بريئة، لتصدقونني، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال أبو عائشة، يوسف فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بوحي يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فوالله ما رام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله على نبيه، صلى الله عليه وسلم، وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه، فلما سري عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سري عنه وهو يضحك، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا أما الله فقد برأك، فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، قالت: فأنزل الله، عز وجل، عائشة، إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر آيات، فلما أنزل الله هذه الآيات في براءتي؛ قال وكان ينفق على أبو بكر الصديق مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال ما قال، لعائشة ولا يأتل أولو الفضل منكم إلى قوله: ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال فأنزل الله، عز وجل، أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح بالنفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبدا، قالت وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سأل عائشة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، عن أمري: ما علمت وما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرا، قالت زينب بنت جحش وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي، صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت عائشة: تحارب لها فهلكت فيمن هلك، حمنة بنت جحش رواه البخاري، ومسلم، كلاهما عن فذلك قوله: أبي الربيع الزهراني إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم أي: جماعة منكم، أيها المؤمنون، ذكرتهم عائشة.