وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم [ ص: 292 ] حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين
وقوله: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم قال الربيع وابن زيد: هذه فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله، ويكف عمن كف عنه. أول آية نزلت في القتال،
ولا تعتدوا أي: لا تبدءوهم ولا تفجؤوهم بالقتال قبل تقديم الدعوة، إن الله لا يحب المعتدين وقال لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ والكبير ولا من ألقى إليكم السلم وكف يده، فإن فعلتم ذلك فقد اعتديتم. ابن عباس:
قوله: واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي: حيث وجدتموهم وأخذتموهم، يقال: ثقفنا فلانا في موضع كذا.
أي: أخذناه، قال ثقف يثقف ثقفا وثقفا. الفراء:
وأخرجوهم من حيث أخرجوكم يعني مكة، والفتنة أشد من القتل وشركهم بالله أعظم من قتلكم إياهم، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه نهوا عن ابتدائهم بقتل أو قتال في الحرم حتى يبتدئ المشركون، كذلك جزاء الكافرين أن يقتلوا حيثما وجدوا.
فإن انتهوا عن الكفر وأسلموا، فإن الله غفور رحيم يغفر ما كان في شركهم إذا أسلموا.
قوله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي: شرك، يعني: قاتلوهم حتى يسلموا، ويكون الدين الطاعة والعبادة، لله وحده، فلا يعبد دونه شيء، فإن انتهوا من الكفر، فلا عدوان أي: لا نهب ولا قتل ولا استرقاق، فليس يقبل من المشرك الوثني جزية، إلا على الظالمين الكافرين الذين وضعوا العبادة في غير موضعها، وسمى ما عليهم عدوانا لأن ما يكون منهم من الكفر عدوان، فسمى جزاء ذلك عدوانا كقوله: وجزاء سيئة سيئة مثلها .
[ ص: 293 ] وقوله: الشهر الحرام بالشهر الحرام قال في رواية ابن عباس يريد: إن قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في مثله، قال عطاء: معناه: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام. الزجاج:
والحرمات قصاص قال يريد: إن انتهكوا لكم حرمة فانتهكوا منهم مثل ذلك. ابن عباس:
أعلم الله أن أمر هذه الحرمات قصاص لا يكون للمسلمين أن ينتهكوها على سبيل الاعتداء، ولكن على سبيل القصاص، كقوله: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه ويدل على هذا المعنى قوله: فمن اعتدى عليكم أي: ظلم فقاتل، فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم أي: جاوزه باعتدائه وقاتلوه، فسمى الثاني اعتداء لأنه مجازاة اعتداء، واتقوا الله بطاعته واجتناب معاصيه، واعلموا أن الله مع المتقين بالعون والنصرة.