فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم
[ ص: 104 ] فبشرناه بغلام حليم يعني عليم ، وهو العالم ، وهو إسحاق ابن سارة.
فلما بلغ معه مع أبيه السعي المشي إلى الجبل قال يا بني إني أرى في المنام لنذر كان عليه فيه يقول : إني أمرت في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى فرد عليه إسحاق قال يا أبت افعل ما تؤمر وأطع ربك ، فمن ثم لم يقل إسحاق لإبراهيم ، عليهما السلام ، افعل ما رأيت ، ورأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات ، وكان إسحاق قد صام وصلى قبل الذبح ستجدني إن شاء الله من الصابرين على الذبح.
فلما أسلما يقول : أسلما لأمر الله وطاعته وتله للجبين وكبه لجبهته ، فلما أخذ بناصيته ليذبحه عرف الله تعالى منهما الصدق ، قال الفراء في قوله عز وجل : ماذا ترى ؟ : مضموم التاء ، قال : المعنى ما ترى من الجلد والصبر على طاعة الله عز وجل ، ومن قرأ "ترى" أراد إبراهيم أن يعلم ما عنده من العزم ، ثم هو ماض على ذبحه ، كما أمره الله عز وجل رجع إلى مقاتل.
وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا في ذبح ابنك ، وخذ الكبش إنا كذلك نجزي المحسنين هكذا نجزي كل محسن؛ فجزاه الله عز وجل بإحسانه وطاعته ، العفو عن ابنه إسحاق .
ثم قال عز وجل : إن هذا لهو البلاء المبين يعني النعيم المبين حين عفا عنه وفدي بالكبش وفديناه بذبح عظيم ببيت المقدس الكبش اسمه رزين ، وكان من الوعل رعى في الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح [ ص: 105 ] وتركنا وأبقينا عليه في الآخرين الثناء الحسن يقال له من بعد موته في الأرض ، فذلك قوله عز وجل : سلام على إبراهيم يعني بالسلام : الثناء الحسن ، يقال له من بعده في أهل الأديان ، في الناس كلهم.
كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين يعني المصدقين بالتوحيد وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين يقول : وبشرنا إبراهيم بنبوة إسحاق بعد العفو عنه وباركنا عليه على إبراهيم وعلى إسحاق ومن ذريتهما إبراهيم وإسحاق محسن مؤمن وظالم لنفسه يعني مشرك مبين . ولقد مننا أنعمنا على موسى وهارون بالنبوة وهلاك عدوهما ونجيناهما وقومهما بني إسرائيل من الكرب العظيم .