سورة الغاشية
مكية، عددها ست وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتاك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم
هل أتاك حديث الغاشية يعني قد أتاك حديث أهل النار من قوله: تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون ، وكل شيء في القرآن هل أتاك ، يقول: قد أتاك، ثم أخبر عن حالهم، فقال: وجوه يومئذ خاشعة يعني ذليلة عاملة ناصبة يعني عاملة في النار، النار تأكله، ويأكل من النار، يعني ناصبة للعذاب صاغرة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية يعني من عين قد انتهى حرها، وذلك أن جهنم تسعر عليهم منذ يوم خلقت إلى يوم يدخلونها، وهي عين تخرج من أصل جبل طولها مسيرة سبعين عاما، ماؤها أسود كدردي الزيت، كدر غليظ كثير الدعاميص، تسقيه الملائكة بإناء من حديد من نار فيشربه، فإذا قرب الإناء من فيه أحرق شدقيه، وتناثرت أنيابه وأضراسه، فإذا بلغ صدره نضج قلبه، فإذا بلغ بطنه غلى كما يغلي الحميم من شدة الحر، حتى يذوب كما يذوب الرصاص إذا أصابه النار، فيدعو الشقي بالويل، فذلك قوله: تسقى من عين آنية .
[ ص: 479 ] ثم أخبر عن طعام الشقي، فقال: ليس لهم طعام إلا من ضريع وهي شجرة تكون بمكة كثيرة الشوك لا تقربها دابة في الأرض من شوكها، ولا يستطيع أحد أن يمسها من كثرة شوكها، وتسميها قريش، وهي رطبة في الربيع الشبرق، وتصيب الإبل من ورقها في الربيع ما دامت رطبة، فإذا يبست لم تقربها الإبل، وما من دابة في الأرض من الهوام والسباع، وما يؤذي بني آدم إلا مثلها في النار سلطها الله عز وجل على أهلها، لكنها من نار، وما خلق الله شيئا في النار إلا من النار، ثم قال: لا يسمن ولا يغني من جوع فإنهم لا يطعمون من أجل الجوع، وإنما من أجل العذاب.
ثم ذكر أولياءه من أهل طاعته، فقال: وجوه يومئذ ناعمة يعني فرحة شبه الله عز وجل وجوههم بوجوه قوم فرحين، إذا أصابوا الشراب طابت أنفسهم، فاجتمع الدم في وجوههم، فاجتمع فرح القلوب وفرح الشراب، فهو ضاحك الوجه مبتسم طيب النفس، ثم قال: لسعيها راضية يعني قد رضي الله عمله، فأثابه الله عز وجل ذلك بعمله.
قال: في جنة عالية وإنما سماها عالية لأن جهنم أسفل منها، وهي دركات، ثم قال: والجنة درجات، لا تسمع فيها لاغية يقول: لا يسمع بعضهم من بعض غيبة، ولا كذب، ولا شتم، قوله: فيها عين جارية يعني في الجنة لأنها فيها تجري الأنهار فيها سرر مرفوعة منسوجة بقضبان الدر والذهب عليها سبعون فراشا، كل فراش قدر غرفة من غرف الدنيا، فذلك قوله: سرر مرفوعة .
وأكواب موضوعة يعني مصفوفة وهي أكواب من فضة، وهي من الصفاء مثل القوارير مدورة الرءوس ليس لها عرى ولا خراطيم، ونمارق مصفوفة يعني الوسائد الكبار العظام مصفوفة على الطنافس، وهي بلغة قريش خاصة، ثم قال: وزرابي مبثوثة يعني طنافس مبسوطة بعضها على بعض، يذكرهم الله عز وجل صنعه ليعتبر عباده فيحرصوا عليها، ويرغبوا فيها، ويحذروا النار، فإن عقوبته على قدر سلطاته وكرامته قدر سلطانه.
ثم ذكر عجائبه، فقال: أفلا ينظرون إلى الإبل لأن العرب لم يكونوا رأوا الفيل، وإنما ذكر لهم ما أبصروا، ولو أنه قال: أفلا ينظرون إلى الفيلة كيف خلقت [ ص: 480 ] لم يتعجبوا لها لأنهم لم يروها وإلى السماء كيف رفعت من فوقهم خمس مائة عام وإلى الجبال كيف نصبت على الأرض أوتادا لئلا تزول بأهلها، ثم قال: وإلى الأرض كيف سطحت يعني كيف بسطت من تحت الكعبة مسيرة خمس مائة عام.
ثم قال: فذكر أهل مكة يا محمد إنما أنت مذكر كالذين من قبلك لست عليهم بمصيطر يقول: لست عليهم بملك، ثم نسختها آية السيف في براءة، ثم قال: إلا من تولى يعني أعرض وكفر بالإيمان فيعذبه الله في الآخرة العذاب الأكبر وإنما سماه الله الأكبر لأن الله كان أوعدهم القتل والجوع في الدنيا، فقال: الأكبر، لأنه أكبر من الجوع والقتل، وهو عذاب جهنم، ثم قال: إن إلينا إيابهم يعني مصيرهم ثم إن علينا حسابهم يعني جزاءهم على الله هين.
[ ص: 481 ]