الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون  وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم  من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون  

[ ص: 128 ] ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم من بني إسرائيل ألوف ثمانية آلاف، حذر الموت ، يعني حذر القتل، وذلك أن نبيهم حزقيل بن دوم، وهو ذو الكفل بن دوم، ندبهم إلى قتال عدوهم، فأبوا عليه جبنا عن عدوهم واعتلوا، فقالوا: إن الأرض التي نبعث إليها لنقاتل عدونا، هي أرض يكون فيها الطاعون، فأرسل الله عز وجل عليهم الموت، فلما رأوا أن الموت كثر فيهم، خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، فلما رأى ذلك حزقيل، قال: اللهم رب يعقوب وإله موسى، قد ترى معصية عبادك، فأرهم آية في أنفسهم حتى يعلموا أنهم لن يستطيعوا فرارا منك، فأمهلهم الله عز وجل حتى خرجوا من ديارهم، وهي قرية تسمى دامردان.

فلما خرجوا قال الله عز وجل لهم: فقال لهم الله موتوا عبرة لهم، فماتوا جميعا وماتت دوابهم كموت رجل واحد ثمانية أيام، فخرج إليهم الناس، فعجزوا عن دفنهم حتى حظروا عليهم وأروحت أجسادهم، ثم إن الله عز وجل أحياهم بعد ثمانية أيام وبهن نتن شديد، ثم إن حزقيل بكى إلى ربه عز وجل، فقال: اللهم رب إبراهيم وإله موسى، لا تكن على عبادك الظلمة كأنفسهم، واذكر فيهم ميثاق الأولين، فسمع الله عز وجل، فأمره أن يدعوهم بكلمة واحدة، فقاموا كقيام رجل واحد كان وسنانا فاستيقظ، فذلك قوله عز وجل: إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون رب هذه النعمة حين أحياهم بعدما أراهم عقوبته، ثم أمرهم عز وجل أن يرجعوا إلى عدوهم فيجاهدوا، فذلك قوله: موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس أنه أحياهم بعدما أماتهم، ولكن أكثر الناس لا يشكرون .

وقوله سبحانه: وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع ; لقولهم: إن الأرض التي نبعث إليها فيها الطاعون عليم بذلك، حتى إنه ليوجد في ذلك السبط من اليهود ريح كريح الموتى، وكانوا ثمانية آلاف من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا طيبة بها نفسه محتسبا، فيضاعفه له بها أضعافا كثيرة ، نزلت في أبي الدحداح، واسمه عمر بن الدحداح الأنصاري ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ ص: 129 ] " من تصدق بصدقة، فله مثلها في الجنة "، قال أبو الدحداح: إن تصدقت بحديقتي فلي مثلها في الجنة؟ قال: " نعم "، قال: وأم الدحداح معي؟ قال: " نعم "، قال: والصبية؟ قال: " نعم ".  

وكان له حديقتان، فتصدق بأفضلهما واسمها الجنينة، فضاعف الله عز وجل صدقته ألفي ألف ضعف، فذلك قوله عز وجل: أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط ، يعني يقتر ويوسع، وإليه ترجعون فيجزيكم بأعمالكم، فرجع أبو الدحداح إلى حديقته، فوجد أم الدحداح والصبية في الحديقة التي جعلها صدقة، فقام على باب الحديقة، وتحرج أن يدخلها، وقال: يا أم الدحداح، قالت له: لبيك يا أبا الدحداح ، قال: إني قد جعلت حديقتي هذه صدقة، واشترطت مثلها في الجنة، وأم الدحداح معي، والصبية معي، قالت: بارك الله لك فيما اشتريت، فخرجوا منها، وسلم الحديقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: كم من نخلة مدلا عذوقها لأبي الدحداح في الجنة لو اجتمع على عذق منها أهل منى أن يقلوه ما أقلوه.


التالي السابق


الخدمات العلمية