ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين
ولما برزوا لقتال لجالوت وجنوده ، قال أصحاب الغرفة: قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا ، يعني ألق، اصبب علينا صبرا، كقوله سبحانه: أفرغ ، يعني أصبب، عليه قطرا ، وثبت أقدامنا عند القتال حتى لا تزول، وانصرنا على القوم الكافرين ، يعني جالوت وجنوده، وكانوا يعبدون الأوثان، فاستجاب الله لهم، وكانوا مؤمنين، أصحاب الغرفة في العصاة.
فلما التقى الجمعان وطالوت في قلة وجالوت في كثرة، عمد داود، عليه السلام، فقام بحيال جالوت ، لا يقوم ذلك المكان إلا من يريد قتال جالوت ، فجعل الناس يسخرون من داود حين قام بحيال جالوت ، وكان جالوت من قوم عاد عليه بيضة فيها ثلاثمائة رطل، فقال جالوت: من أين هذا الفتى؟ ارجع ويحك، فإني أراك ضعيفا، ولا أرى لك قوة، ولا أرى معك سلاحا، ارجع فإني أرحمك، فقال داود، عليه السلام: أنا أقتلك بإذن الله عز وجل، فقال جالوت: بأي شيء تقتلني؟ وقد قمت مقام الأشقياء، ولا أرى معك سلاحا إلا عصاك هذه، هلم فاضربني بها ما شئت، وهي عصاه التي كان يرد بها غنمه، قال داود: أقتلك بإذن الله بما شاء الله.
[ ص: 134 ] فتقدم جالوت ليأخذه بيده مقتدرا عليه في نفسه، وقد صارت الحجارة الثلاثة حجرا واحدا، فلما دنا جالوت من داود، أخرج الحجر من مخلاته، وألقت الريح البيضة عن رأسه، فرماه فوقع الحجر في دماغه حتى خرج من أسفله، وانهزم الكفار، وطالوت ومن معه وقوف ينظرون، فذلك قوله سبحانه: فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت بحذافة فيها حجر واحد، وقتل معه ثلاثون ألفا، وطلب داود نصف مال طالوت ونصف ملكه، فحسده طالوت على صنيعه وأخرجه، فذهب داود حتى نزل قرية من قرى بني إسرائيل وندم طالوت على صنيعه، فقال في نفسه: عمدت إلى خير أهل الأرض بعثه الله عز وجل لقتل جالوت فطردته، ولم أف له، وكان داود، عليه السلام، أحب إلى بني إسرائيل من طالوت.
فانطلق في طلب داود، فطرق امرأة ليلا من قدماء بني إسرائيل تعلم اسم الله الأعظم، وهي تبكي على داود، فضرب بابها، فقالت: من هذا؟ قال: أنا طالوت ، فقالت: أنت أشقى الناس وأشرهم، هل تعلم ما صنعت؟ طردت داود النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أمره من الله عز وجل، وكانت لك آية فيه من أمر الدرع وصفة أشماويل وظهوره على جالوت ، وقتل الله عز وجل به أهل الأوثان فانهزموا، ثم غدرت بداود وطردته، هلكت يا شقي، فقال لها: إنما أتيتك لأسألك ما توبتي؟ قالت: توبتك أن تأتي مدينة بلقاء فتقاتل أهلها وحدك، فإن افتتحتها، فهي توبتك، فانطلق طالوت ، فقاتل أهل بلقاء وحده، فقتل وعمدت بنو إسرائيل إلى داود، عليه السلام، فردوه وملكوه، ولم يجتمع بنو إسرائيل لملك قط غير داود، عليه السلام، فكانوا اثني عشر سبطا، لكل سبط ملك بينهم، فذلك قوله تبارك وتعالى: فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت .
وآتاه الله الملك ، يعني ملكه اثنا عشر سبطا، والحكمة ، يعني الزبور، وعلمه مما يشاء ، علمه صنعة الدروع، وكلام الدواب والطير، وتسبيح الجبال، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، يقول الله سبحانه: لولا دفع الله المشركين بالمسلمين، لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المسلمين، وخربوا المساجد والبيع والكنائس والصوامع، فذلك قوله سبحانه: لفسدت الأرض ، يقول: لهلكت الأرض نظيرها: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ، يعني أهلكوها، ولكن الله ذو فضل على العالمين [ ص: 135 ] في الدفع عنهم.
تلك آيات الله ، يعني القرآن، نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين .