الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الطارق

مكية، عددها سبع عشرة آية كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

والسماء والطارق  وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ  فلينظر الإنسان مم خلق  خلق من ماء دافق  يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر  يوم تبلى السرائر  فما له من قوة ولا ناصر  والسماء ذات الرجع  والأرض ذات الصدع  إنه لقول فصل  وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا  وأكيد كيدا  فمهل الكافرين أمهلهم رويدا  

والسماء والطارق وما أدراك يا محمد ما الطارق فسرها له فقال: النجم الثاقب يعني المضيء إن إن كل نفس لما عليها حافظ وذلك أن الله عز وجل خلق النجوم  ثلاثة نجوم يهتدى بها، ونجوم رجوم للشياطين، ونجوم مصابيح الأرض، فأقسم الله عز وجل بها، فقال: إن كل نفس ما من نفس لما عليها حافظ من الملائكة يكتبون حسناته وسيئاته، قال: فإن لا يصدق هذا الإنسان بالبعث فلينظر الإنسان مم خلق قال: خلق من ماء دافق ثم فسر الماء الدافق، فقال: خلق من ماء الرجل، والمرأة والتصق بعضه على بعض فخلق منه يخرج ذلك الماء من بين الصلب والترائب يقول: من بين صلب الرجل وترائب المرأة، والترائب موضع القلادة،، فأما ماء الرجل، فإنه أبيض غليظ منه العصب والعظم، وأما ماء المرأة، فإنه أصفر رقيق منه اللحم والدم والشعر إنه الرب تبارك وتعالى الذي خلقه من ماء دافق.

على رجعه لقادر قادر على أن يبعثه يوم القيامة يوم تبلى السرائر يوم تختبر السرائر كل سريرة من الذنوب عملها ابن آدم ، فما له من قوة يمتنع من الله بقوته ولا له ناصر ينصره من الله تعالى، ثم أقسم الله تعالى، [ ص: 474 ] فقال: والسماء ذات الرجع ذات المطر والأرض ذات الصدع بالنبات إنه لقول فصل يقول: إن الذي وصفته في هذه السورة لقول فصل، يقول لهو قول الحق.

ثم قال: وما هو بالهزل يقول: وما هو باللعب، ثم انقطع الكلام، وأما قوله: إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا فإنهم لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم قد أظهر الإيمان، وآمن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه، فلما آمن عمر ، قال بعضهم لبعض: ما ترى أمر محمد إلا يزداد يوما بيوم، ونحن في نقصان لا شك، لأنه والله يفوق جمعنا وجماعتنا، ويكثر ونقل، ولا شك إلا أنه سيغلبنا، فيخرجنا من أرضنا، ولكن قوموا بنا حتى نستشير في أمره فدخلوا دار الندوة منهم عتبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، وأبو البحتري بن هشام ، وعمرو بن عمير بن مسعود الثقفي ، فلما دخلوا دخل معهم إبليس في صورة رجل شيخ، فنظروا إليه، فقالوا: يا شيخ من أدخلك علينا ؟ ومن أنت ؟ قد علمت أنا قد دخلنا هاهنا في أمر ما نريد أن يعلم به أحد، قال إبليس: إني والله، لست من أرض تهامة، وإني رجل من الأزد، ويقال: من نجد، قدمت اليمن وأنا أريد العراق، في طلب حاجة، ولكني رأيتكم حسنة وجوهكم، طيبة رائحتكم، فأحببت أن أستريح وأسمع من أحاديثكم، فقال بعضهم لبعض: لا بأس علينا منه، وإنه والله ليس من أرض تهامة، قالوا: يا شيخ أغلق الباب واجلس.

فقال أبو جهل بن هشام: ما تقولون في هذا الرجل الذي قد خالف ديننا وسب آلهتنا، ويدعو إلى غير ديننا وليس يزداد أمره إلا كثرة، ونحن في قلة وينبغي لنا أن نحتال ؟ ثم قال: يا عمرو بن عمير ما تقول فيه ؟ قال عمرو: رأيي فيه أن نردفه على بعير وناقة، فنخرجه من الحرم، فيكون شره على غيرنا.

قال إبليس عند ذلك: بئس الرأي رأيت يا شيخ، تعمد إلى رجل قد ارتكب منكم ما قد ارتكب، وهو أمر عظيم، فنظر دونه فلا شك أنه يذهب فيجمع جموعا، فيخرجكم من أرضكم.

قالوا: ما تقول يا أبا البحتري ؟ قال: أما والله، إن رأيي فيه ثابت، قالوا: ما هو ؟ قال: ندخله في بيت فنسد بابه عليه، ونترك له ثلمة قدر ما يتناول منه طعامه وشرابه ونتربص به إلى أن يموت.

[ ص: 475 ] قال إبليس عند ذلك: بئس والله الرأي رأيت يا شيخ تعمدون إلى رجل هو عدو لكم فتربونه، فلا شك أن يغضب له قومه فيقاتلونكم حتى يخرجوه من أيديكم فما لكم وللشر ؟ قالوا: صدق والله فما تقول: يا أبا جهل ؟ قال: تعمدون إلى كل بطن من قريش فنختار منهم رجالا فنمكنها من السيوف ويمشون كلهم بجماعتهم فيضربونه، حتى يقتلوه فلا يستطيع بنو هاشم أن تعادي قريشا كلهم، وتؤدون ديته.

قال إبليس: صدق والله الشاب، فخرجوا على ذلك القول راضين بقتله، وسمع عمه أبو طالب، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ، فلم يخبر محمدا لعله أن يجزع من القتل، فيهرب، فيكون مسبة عليهم، فأنزل الله عز وجل: أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون ، يقول: أم أجمعوا أمرا على قتل محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنا مجمعون أمرا على قتلهم ببدر ، وقال: أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون ، وقال: إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا .

قال: فسمع أبو طالب ما سمع، قال: يا ابن أخي ما هذه الهينمة ؟ قال: أما تعلم يا عم ما أرادت قريش ؟ قال: سمعت ما سمعته يا ابن أخي ؟ قال: نعم، قال: ومن أخبرك بذلك ؟ قال: ربي، قال: أما والله، يا ابن أخي إن ربك بك لحفيظ فامض لما أمرت يا ابن أخي، فليس عليك غضاضة.

[ ص: 476 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية