سورة البلد
مكية، عددها عشرون آية كوفي
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة عليهم نار مؤصدة
قوله: لا أقسم بهذا البلد يعني مكة وأنت حل بهذا البلد يعني لم أحلها لأحد من قبلك ولا من بعدك، وإنما أحللتها لك ساعة من النهار، وذلك أن الله عز وجل لم يفتح مكة على أحد غيره، ولم يحل بها القتل لأحد، غير ما قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقيس بن ضبابة الكناني وغيره، حين فتح مكة ، قال الله تبارك وتعالى: ووالد وما ولد يعني آدم وذريته عليه السلام إلى أن تقوم الساعة، فأقسم الله عز وجل بمكة ، وبآدم وذريته لقد خلقنا الإنسان في كبد منتصبا قائما، وذلك أن الله تبارك وتعالى خلق كل شيء على أربع قوائم غير ابن آدم يمشي على رجلين، نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف القرشي ، وذلك أنه أصاب ذنبا، وهو بالمدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما كفارته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اذهب فأعتق رقبة، أو أطعم ستين مسكينا "، قال: ليس غير هذا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الذي أخبرتك "، فرجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مهموم مغموم حتى أتى أصحابه، فقال: والله، ما أعلم إلا أني لئن دخلت في دين محمد إن مالي لفي نقصان من الكفارات والنفقة في سبيل الله، ما يظن محمد إلا أنا وجدنا هذا المال في الطريق لقد أنفقت مالا [ ص: 486 ] لبدا، يعني مالا كثيرا، فأنزل الله عز وجل لقد خلقنا الإنسان في كبد .
أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يعني بالأحد الله عز وجل، يعني نفسه، أيحسب هذا الإنسان أن لن يقدر الله عز وجل على أن يذهب بماله، وإن أحرزه يقول أهلكت مالا لبدا ثم قال الله تعالى وهو بعده الخير: أيحسب أن لم يره أحد أو يحسب هذا الإنسان أن الله تعالى ليس يرى ما ينفق وليس يحصيه ؟ وهو يخلقه عليه، ثم ذكر النعم، فقال: ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين يقول: بينا له سبيل الخير والشر، ثم حرضه على الكفارة، فقال: فلا اقتحم العقبة وهو مثل ضربه الله عز وجل له يقول: إن كمثل رجل بين يديه عقبة فيقتحم فيستوي بين يديه، وكذلك من أصاب ذنبا واستغفر ربه، وكفره بصدقة تتقحم ذنوبه حتى تحطمها تحطيما مثل الجبل إذا خر، فيستوي مع الأرض، فذلك قوله: الذنوب بين يديك مثل الجبل، فإذا أعتقت رقبة اقتحم ذلك الذنوب حتى تذوب وتذهب، فلا اقتحم العقبة .
قال: وما أدراك ما العقبة تعظيما لها، قال: فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يعني مجاعة يتيما ذا مقربة يعني ذا قرابة أو مسكينا ذا متربة يعني فقيرا قد التصق ظهره بالتراب من العري، وشدة الحاجة، فيستحي أن يخرج، فيسأل الناس، وذلك كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق رقبة، أو أطعم ستين مسكينا، يقول الله عز وجل أعجز أن يفعل من هذين الأمرين واحدا، وكان يظن أن الله تعالى لم يكن يراه إذا أنفق فيخلف عليه تلك النفقة، فذلك قوله: أيحسب أن لم يره أحد ، يعني الله عز وجل.
ثم كان من الذين آمنوا بالله تعالى وملائكته، وكتبه ورسله وجنته وناره وتواصوا بالصبر يعني على فرائض الله تعالى ما افترض عليهم في القرآن، فإنهم إن لم يؤمنوا بالله، ولم يعملوا الصالحات، ولم يصبروا على الفرائض، لم أقبل منهم كفاراتهم وصدقاتهم، ثم ذكر الرحم، فقال: وتواصوا بالمرحمة يعني بالمرحمة، يعني بالرحم، فلا يقطعونها، ثم قال أولئك يعني الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالصبر، وتواصوا بالمرحمة هم أصحاب الميمنة الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم يوم القيامة، قال: والذين كفروا بآياتنا يعني بالقرآن هم أصحاب المشأمة يعني الذين يعطون كتبهم بشمائلهم والمشأمة بلغة بني غطيف حي من مراد، [ ص: 487 ] وكل ذلك يخوف الحارث بن عمرو بن نوفل بن عبد مناف عليهم نار مؤصدة 6 يعني مطبقة وهي جهنم.
[ ص: 488 ]