الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة القارعة

مكية، عددها إحدى عشرة آية كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

القارعة  ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث  وتكون الجبال كالعهن المنفوش  فأما من ثقلت موازينه  فهو في عيشة راضية  وأما من خفت موازينه فأمه هاوية  وما أدراك ما هيه  نار حامية

القارعة ثم بين لهم ما القارعة فقال: يقرع الله عز وجل أعداءه، ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وما أدراك ما القارعة تعظيما لها لشدتها، وكل شيء في القرآن وما أدراك، فقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل شيء في القرآن وما يدريك فمما لم يخبر به، وفي الأحزاب: وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا .

وقال في هذه السورة: وما أدراك ما القارعة ثم أخبر عنها، فقال: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث يقول: إذا خرجوا من قبورهم تجول بعضهم في بعض، فشبههم بالفراش المبثوث، وشبههم في الكثرة بالجراد المنتشر، فقال: كأنهم جراد منتشر ، ثم قال: وتكون الجبال كالعهن المنفوش يقول: تكون الجبال يومئذ بعد القوة والشدة كالصوف المندوف عرقها في الأرض السفلى، ورأسها في السماء، يقول: هو جبل فإذا مسسته فهو لا شيء من شدة الهول: فما حالك يومئذ يا ابن آدم، قال: كالصوف المنفوش في الوهن، أوهن ما يكون الصوف إذا نفش فأما من ثقلت موازينه يقول: من رجحت موازينه بحسناته.

فهو في عيشة راضية ولا يثقل الميزان إلا قول: لا إله إلا الله بقلوب [ ص: 513 ] المخلصين في الأعمال، وهم الموحدون، يعني في عيش في الجنة برضاه وأما من خفت موازينه بسيئاته وهو الشرك لأنه لا يرى شيئا مما كسب إلا صار كالرماد، فاشتدت به الريح في يوم شديد الريح، وكما أنه ليس في الأرض شيء أخبث من الشر، فهكذا ليس شيء أخف من الشرك في الميزان، ولا إله إلا الله ثقيلة، وصاحبها ثقيل كريم رزين عند الله عز وجل، فيأتي صاحب التوحيد بأعماله الصالحة فيثقل ميزانه، ويأتي صاحب الشرك بأعماله الصالحة فلا تكون له حسنة توزن معه، فهو خفيف فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وهي الجنة، يعني براضية أنه لا يسخط بعد دخولها أبدا، وأما من خفت موازينه وهو الشرك.

فأمه هاوية يقول: لا تحمله الأرض، ولا تظله السماء، ولا شيء إلا النار، فذلك قوله: فأمه هاوية يعني أصله هاوية، كقوله: أم القرى ، يعني أصل القرى يعني مكة .

ثم قال: وما أدراك ما هيه نار حامية يقول: نار حامية تحمي ستة أبواب من جهنم، وأما من خفت موازينه يقول: خفت موازينه بسيئاته وحق لميزان لا يقع فيه الحق أن يخف لأن الحق ثقيل مريء، والباطل خفيف وبيء وما أدراك ما هيه تعظيما لشدتها، ثم أخبر عنها، فقال: هي: نار حامية يقول: انتهى حرها.

[ ص: 514 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية