سورة التكاثر
مكية، عددها ثمان آيات
بسم الله الرحمن الرحيم
ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين ثم لتسألن يومئذ عن النعيم
ألهاكم التكاثر يعني شغلكم التكاثر، وذلك أن حيين من قريش من بني عبد مناف بن قصي، وبني سهم بن عمرو بن مرة بن كعب، كان بينهم لحاء فافتخروا، فتعادى السادة والأشراف، فقال: بنو عبد مناف: نحن أكثر سيدا، وأعز عزيزا، وأعظم شرفا، وأمنع جانبا، وأكثر عددا، فقال بنو سهم لبني عبد مناف: مثل ذلك فكاثرهم بنو عبد مناف بالأحياء، ثم قالوا: تعالوا نعد أمواتنا، حتى أتوا المقابر يعدونهم، فقالوا: هذا قبر فلان، وهذا قبر فلان، فعد هؤلاء وهؤلاء موتاهم، فكاثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات، لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية من بني عبد مناف، فأنزل الله في الحيين ألهاكم التكاثر يقول: شغلكم التكاثر عن ذكر الآخرة، فلم تزالوا كذلك حتى زرتم المقابر كلكم يقول: إلى أن أتيتم المقابر.
ثم أوعدهم الله عز وجل، فقال: كلا سوف تعلمون هذا وعيد ما نحن فاعلون بذلك إذا نزل بكم الموت، ثم قال: ثم كلا سوف تعلمون وهو وعيد: إذا دخلتم قبوركم، ثم قال: كلا لا يؤمنون بالوعيد، ثم استأنف، فقال: لو تعلمون علم اليقين لا شك فيه لعلمتم أنكم سترون الجحيم في الآخرة ثم لترونها عين اليقين لا شك فيه، يقول: لترون الجحيم في الآخرة معاينة، والجحيم ما عظم من النار، يقينها رؤية العين، سنعذبهم مرتين، مرة عند الموت، ومرة عند القبر، ثم يردون إلى عذاب عظيم.
ثم لتسألن في الآخرة يومئذ عن النعيم يعني كفار مكة كانوا [ ص: 515 ] في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه، وأيضا، فذلك قوله: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ، وقال: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ، وذلك أن الله عز وجل إذا جمع الكفار في النار صرخوا: يا مالك، أضجت لحومنا، وأحرقت جلودنا، وجاعت وأعطشت أفواهنا، وأهلكت أبداننا، فهل إلى خروج يوم واحد من سبيل من النار، فيرد عليهم مالك يقول: لا، قالوا: ساعة من النهار، قال: لا قالوا فردنا إلى الدنيا، فنعمل غير الذي كنا نعمل، قال: فينادي مالك، خازن النار، بصوت غليظ جهير، قال: فإذا نادى حسرت النار من فوقه، وسكن أهلها، فيقول أبشروا فيرجون أن تكون عافية قد أتتهم، ثم ينادهم: يا أهل النار، فيقولون: لبيك: يا أهل البلاء، فيقولون: لبيك، فيقول: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ، يا أهل الفرش والوسائد والنعمة في دار الدنيا، كيف تجدون مس سقر ؟ قالوا: يأتينا العذاب من كل مكان، فهل إلى أن نموت ونستريح، قال: فيقول: وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذابا، قال: فذلك قوله: ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ، يعني الشكر للنعيم الذي أعطاه الله عز وجل، فلم يهتد ولم يشكر، يعني الكافر.
[ ص: 516 ]