الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
سورة الهمزة

مكية، عددها تسع آيات كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

ويل لكل همزة لمزة  الذي جمع مالا وعدده  يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة  وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة

ويل لكل همزة يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه لمزة يعني الطاغي إذا رآه طغى عليه في وجهه: نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي ، ثم نعته، فقال: الذي جمع مالا وعدده يقول: الذي استعد مالا ليشتري به الخدم والحيوان يقول يحسب أن ماله أخلده من الموت، فلا يموت حتى يفنى ماله، يقول الله عز وجل كلا يخلده ماله وولده، ثم استأنف، فقال: لينبذن في الحطمة يقول: ليتركن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة تعظيما لشدتها، تحطم العظام، وتأكل اللحم حتى تهجم على القلب.

ثم أخبر عنها، فقال: نار الله الموقدة على أهلها لا تخمد، ثم نعتها، فقال التي تطلع على الأفئدة يقول: تأكل اللحم والجلود حتى يخلص حرها إلى القلوب، ثم تكسى لحما جديدا، ثم تقبل عليه وتأكله حتى يصير إلى منزلته الأولى إنها عليهم مؤصدة يعني مطبقة في عمد ممددة يقول: طبقت الأبواب ثم شدت بأوتاد من حديد من نار، حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يفتح عليهم باب، ولا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم آخر الأبد.

وأيضا لكل همزة لمزة ، فأما الهمزة فالذي ينم الكلام إلى الناس وهو النمام، وأما اللمزة، فهو الذي يلقب الرجل بما يكره،  وهو الوليد بن المغيرة ، كان رجلا نماما، [ ص: 518 ] وكان يلقب الناس من التجبر والعظمة، وأن يستهزئ بالناس، وذلك أنه أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا ، وكان له حديقتان، حديقة بمكة ، وحديقة بالطائف، وكان لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا، فذلك قوله: مالا ممدودا وبنين شهودا ، يعني أرباب البيوت، وكان له سبعة بنين، قال: ومهدت له تمهيدا ، يقول: بسطت له في المال كل البسط، ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ، قال: والله، قسمت مالي يمينا وشمالا على قريش ما دمت حيا ما فني، فكيف تعدني الفقر ؟ قال: أما والله، إن الذي أعطاك، قادر على أن يأخذه منك، فوقع في قلبه من ذلك شيء، ثم عمد إلى ماله فعده، ما كان ذهب أو فضة، أو أرض، أو حديقة، أو رقيق، فعده وأحصاه.

فقال: يا محمد تعدني الفقر والله لو كان هذا خبزا ما فني، فأنزل الله عز وجل:

وذلك أن الشقي إذا دخل النار طاف به الملك في أبوابها في ألوان العذاب وفتح له باب الحطمة، وهي باب من أبواب جهنم،  وهي نار تأكل النار من شدة حرها، وما خمدت من يوم خلقها الله عز وجل إلى يوم يدخلها، فإذا فتح ذلك الباب وقعت النار عليه فأحرقته، فتحرق الجلد واللحم والعصب والعظم ولا تحرق القلب ولا العين، وهو ما يعقل به ويبصر، فذلك قوله تعالى: التي تطلع على الأفئدة ثم تلا: ويأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت، يقول: ليس في جسده موضع شعرة إلا والموت يأتيه من ذلك المكان، ثم قال: إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة وذلك أنه إذا خرج الموحدون من الباب الأعلى، وهي جهنم، قال أهل تلك السبعة الأبواب، وهي أسفل درك من النار، لأهل الباب السادس: ما سلككم في سقر يقول: ما أدخلكم في سقر، قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين إلى آخر الآيات، ثم يقولون: تعالوا حتى نجزع، فيجزعون حقبا من الدهر فلا ينفعهم شيئا، ثم يقولون: تعالوا حتى نصرخ فيصرخون حقبا من الدهر، فلا يغني عنهم شيئا، فيقولون: تعالوا: حتى نصبر، فلعل الله عز وجل إذا صبرنا وسكتنا أن يرحمنا، فيصبرون حقبا من الدهر، فلا يغني عنهم شيئا، [ ص: 519 ] فيقولون: سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص ، ثم ينادون: أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فينادي رب العزة من فوق العرش: اخسئوا فيها ولا تكلمون ، فتصم آذانهم ويختم على قلوبهم، وتغلق عليهم أبوابها، فيطبق كل واحد على صاحبه، بمسامير من حديد من نار كأمثال الجبال، فلا يلج فيها روح، ولا يخرج منها حر النار، ويأكلون من النار، ولا يسمع فيها إلا الزفير والشهيق، نسأل الله المعافاة منها بفضله وجوده، ورحمته.

[ ص: 520 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية